النتائج والآثــار والتطورات المــترتِّــبة على مجزرة تنومة

 

مجزرة الحُجاج الكبرى..كتاب للباحث حمود الاهنومي يوثق جريمة آل سعود بحق حُجاج اليمن.. “الثورة” تنشر الكتاب في حلقات.. الحلقة الرابعة عشرة

 

لم يؤمنِ النجديون يوما من الأيام في أحقية الــيــمــنيين بحياة حرة كريمة، وبوطن قوي يستفيد من إمكاناته الطبيعية والمكتسبة؛ ولهذا ظلوا دائما حجر عثرة أمام أي مشروع وطني يلوح ولو من بعيد أن فيه مصلحة الأمة وقوتها، ولهذا افتعلوا كثيرا من الأحداث التخريبية ومنها اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، إلى الحروب الست، ثم الحروب التي نشأت باسم القبائل والسلفيين وآل الأحمر وحجور والرضمة والجوف وعمران، والتي كشفت وثائق ويكليكس أنها كانت كلها مدفوعة الثمن من السعودية.
حــركــة آل الحــاضــري الشــعــبية:
بما أن معاهدة الطائف 1934م لم تحمِلْ أيَّ حلٍّ أو إنصافٍ لشــهــداء قضية تـنـومـة، بل طوَتِ القضية ووأَدَتْها سياسيا تحت وطأة الانــتــصــار العسكري لابن سعود، وشعر الــيــمــنيون عندها بالغيظ والحنق والإحباط، ولمسوا خسارة أراض يمنية طالما أملوا في عودتها لبلدها الأم؛ لهذا فقد تحرَّك الجانب الشعبي الــيــمــني لأخذ الثأر والقصاص بنفسه؛ ففي الساعة السابعة والنصف صباح يوم الأضحى 10 ذي الــحــجة 1353هـ/ 17 مارس 1935م انبرى ثلاثة رجال من قرية بيت حاضر السنحانية للاقتصاص من ابن سعود، حينما كان يطوف طوافَ الإفاضة في الحرَم المكي.
أولئك الفدائيون الثلاثة هم من أسرة بيت الهجَّام من بيت حاضر في سنحان، جدير بالذكر أنه وصلت إلى يديَّ أوراقٌ في دفتيها مذكِّرات منسوبة إلى الفدائي الشهيد صالح بن علي الهجام(1)، كتبها لنفسه، وتضمَّنَتْ نسبَ أسرته آل الهجام منذ القرن العاشر الهجري، وإنجازات أسرته العسكرية، وأحداثا هامة، ومعلومات خطيرة حصلت من أول القرن الرابع عشر الهجري إلى سنة 1352هـ، وأورد فيها سلسلة نسبه كالتالي: صالح بن علي بن حزام بن صالح بن علي بن حسين بن صالح بن علي بن صالح بن قائد بن هادي بن قائد بن هادي الهجام الملقب النجار، وذكر فيها أن عمَّه صالح بن حزام الهجام قائد صف سنحان وبلاد الروس في حرب التحرير ضد الأتراك وأن الإمام يحيى لقَّبه بـ(القائد المنتصر).
وهذه تراجم أولئك الفدائيين:
1 – النقيب علي بن علي حزام الهجام، والذي عرَّفه بيان الخارجية السعودية بتاريخ 15 ذي الحجة 1353هـ/ 20 مارس 1935م بأنه: “ضابط برتبة نقيب في الجيش المتوكلي اليماني، رقم جواز 98 صادر من جوازات صنعاء بتاريخ 10 شوال 1353هـ”، بينما وصفه بيان الحكومة اليمنية بأنه: “لم يُعلم بنيته للحج إلا في وقت متأخر”.
ومما ورد في مذكرات الشهيد صالح بن علي الهجام عن أخيه الشهيد علي بن علي الهجام: أنه كان يلقب بنقيب المجاهدين، وأنه كان قد التحق بالإمام يحيى حميد الدين في قفلة عذر في عام 1323هـ / 1905م وتدرَّب على الأسلحة، ومنحه الإمامُ رتبةَ نقيب، ثم تعين قائد بُلُك(2)الحاضري في عام 1329هـ/ 1911م، وشارك في حروب الإمام ضد الأتراك حتى خروجهم من اليمن، ثم عُيِّن قائدا للمعسكر الجنوبي لصنعاء، وكان هو وأخوه كاتب المذكرات صالح علي حزام، ومبخوت بن مبخوت حسين النجار، وآخرون من بيت حاضر – أبطالَ معركة التحرير ضد الأتراك حول صنعاء، فأطلق عليهم الإمامُ يحيى (أسود النصر)، ومنح كلا منهم رتبة نقيب، ومنح القائد علي بن علي لقب نقيب النقباء، وشارك قائدا في معركة باقم التي اندحر فيها الجيش السعودي عام 1934م، ولما وقَّع الإمام معاهدة الطائف مع ابن سعود غضب لذلك غضبا شديدا، واعتبرها معاهدة مُخْزِيَة سلبت اليمنيين أرضهم لصالح ابن سعود.
2 – أما ثانيهما فهو صالح بن علي الهجام، وصفه بيان الخارجية السعودية بأنه “مزارع، رقم جوازه 34 صادر من جوازات صنعاء بتاريخ شوال 1353هـ”، أما الرواية اليمنية فتقول عنه: “شقيق الضابط علي قدم إلى اليمن بعد أن كان مغترِبا في جيبوتي لسنوات، ثم التقى بأخيه وكان الإصرار منه على أخيه الضابط علي بالعزم إلى مكة لأداء فريضه الحج”.
غير أن ما كتبه الرجل عن نفسه في مذكراته التي لم تنشر بعد، يبيِّن أنه شارك أخاه في معركة التحرير ضد الأتراك، وأنه كان شابا إذ تزوج في عام 1339هـ/ 1921م وحضر عرسه الأمير عبدالله بن أحمد الوزير، والذي كانت أسرته ترتبط به بشكل وثيق، وأنه عيِّن قائد سرايا العرض، وكان مدرِّبا للجيش على المدافع والرشاشات، وتذكر أنه كان على رأس بعثة علمية من الزيدية والشافعية شكلت لتقصي الحقيقة عن الوهابية، وأنهم زاروا الكوفة والنجف وكربلاء، ثم القدس والمسجد الأقصى والتقوا بعلماء فلسطين، ثم رحلوا إلى مصر وقابلوا علماء الأزهر، وكان جميع من يلتقون بهم من العلماء يبدون قلقهم من حركة الوهابية، وأن بريطانيا تدعمها بحسب اتفاق بينها وبين عبدالعزيز ليساعدهم في إقامة دولة يهودية في فلسطين، وأن مهمة الوهابية كانت في إضعاف القوميات الإسلامية –على حد قول المذكرات – المناصِرة للأراضي المقدسة، ثم رَفَعَت تلك البعثة بذلك تقريرا إلى الإمام يحيى، وهذا في أواخر عام 1351هـ/ 1933م، بحسب تلك المذكرات.
كما ذكر النقيب صالح فيها أن معاهدة الطائف كانت قد أغضبت قيادات الجيش وكبار المشايخ، وهذا أدَّى لعقد اجتماع في صعدة ضم قادة ومشائخ وعلماء دين، كان من أهم مخرجاته رفض اتفاقية الإمام يحيى مع ابن سعود ومع البريطانيين، وعدم إقرار النظام الملكي الوراثي، وتطوير الجيش اليمني وتسليحه، ومد يد العون لمشائخ وأعيان ووجهاء نجد والحجاز.
ويذكر فيها أن المجتمعين توزَّعوا إلى أربع مجموعات، المجموعة الأولى ضمت قيادات عسكرية وقبلية وعلمائية هامة، منهم النقيب علي بن علي الهجام، وصالح بن علي الهجام وابن عمهما مبخوت بن مبخوت الهجام، وكانت مهمتها استرجاع حجاز اليمن (عسير) من قبضة عبدالعزيز بن سعود وأعوانه، ونفَّذت هذه المجموعة لقاءات مع مشايخ الحجاز وأعيانه فمنهم من أبدى استعدادَه، ومنهم من سيطر عليه الخوف من بطش عبدالعزيز وأعوانه.
عشية سفره إلى الحج، كتب النقيب صالح بن علي الهجام وصيته – بحسب تلك المذكرات – قائلا: “للعلم نحن ذاهبون لما يرضي الله ورسوله، وما ندري ما الله قاضي (قاض) فيه، إن قدر لنا النصر فمن الله الكريم الفرج، وإن قدر لنا الشهادة فهي الفوز من الله لنا بالجنة، ولا مردَّ لقضائه ومشيئته”، وقال: “فهذا مكتوب ومقدر لنا من الله الحكيم العدل أن نجاهد في سبيله مع أهل بيت رسول الله من أقام العدل واتبع الحق، وهذا متوارَثٌ فينا مناصرتهم منذ القدم، فهذه وصيتي لكم بالإيمان بالله إيمانا مطلقا وقويا وبملائكته وكتبه ورسله والقدَر خيره وشره، وتربية الأبناء على مبادئ الدين الحنيف، وبعد ما ذكِر: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وحبيبه من خلقه … إلخ”(3).
3 -أما الثالث فهو مبخوت بن مبخوت بن حسين النجار الهجام، وهو من نفس الأسرة، لا تذكر عنه الرواية السعودية سوى أنه حصل على جواز سفر من جدة، أما الرواية اليمنية فتقول عنه: “فارّ من الجيش قبل وقت غير قصير، وأنه سافر الى أخيه المقيم بالحجاز واغترب في الجوار”، أما مذكِّرات رفيقه النقيب صالح الهجام فتذكر أنه كان شريكَهم في الجهاد مع الإمام يحيى، وإن لم يكن له نفس الحضور الذي كان لهم.
4 -وتضيف الرواية السعودية لهم رابعا، وتسميه: “مساعد بن على سعد، عسكري في الجيش المتوكلي اليماني، رقم جواز 63 صادر من أمير الحج اليماني بتاريخ 5 ذو القعدة 1353هـ”، بينما لا تعرِف عنه الرواية اليمنية شيئا، وكذلك لا يوجد له ذكر في تلك المذكِّرات، ولعله التحق بالمجموعة في وقت لاحق، وأمكنه الفرار من قبضة السعوديين بعد الحادثة، وربما لم يكن له علاقة بالحادثة أصلا.
روى السيد علي المرِنَّة أنه في ذلك الــحــج صادفَ أن لقيَ أولئك الفدائيين من أهل بيت حاضر، وأنهم قبيل الحادثة طلبوا منه الانضمام إليهم، فقالوا له: يا ابن الجدَّين(4)، اليوم يوم النقاء، وكانوا قد أصرُّوا على النزول لطواف الإفاضة بعد رمي الجمرة مباشرة، لعلَّهم يجدون ابنَ سعود، فيقتصُّون منه، وبالفعل فإنهم ما إن رأوه يطوف حول الحرم، وكان خلفه ابنه سعود وحرسه، حتى هجم أولهم، ولعله النقيب صالح بن علي الهجام قائلا: أنا الحاضري والحاضر الـلـه، وأخرج جنبيته الحادَّة وهي تلمع وهجم على ابن سعود، ثم لحق به الآخران، غير أن سعود بن عبدالعزيز كان قد اتقى الطعنات نيابة عن أبيه(5)، وبحسب الرواية السعودية فقد أصيب ولي العهد سعود بطعنة في كتفه، وأفادت مقتل شرطي يدعى أحمد العسيري طعنا، ومقتل شرطي آخر طعنا أيضا، ويدعى مجدوع بن هيثان.
ويقول بيان الخارجية السعودية: إن المهاجم الأول “كان منتضيا خنجره، وهو يصيح بصوتٍ مرتفِع وبكلام غير مفهوم تماما”، ولعل السعوديين لم يفهموا تلك العبارة التي طارت في الآفاق والتي أطلقها البطل السنحاني؛ إذ قال: (أنا الحاضري والحاضر الله)، ويبدو أن الفدائيَّ أطلق أيضا عباراتٍ أخرى، وصفها الزركلي في سياق كلامه عن الحادثة بقوله: “فلما كان (عبدالعزيز) عند باب الكعبة برز رجل من فجوةٍ في شماليِّ حِجْر إسماعيل يمانيّ البِزة، وقد سل خنجرا، وصاح صيحات منكَرة، فيها تهديدٌ ووعيدٌ وسبابٌ، وقفز منقضاً على الملك من ورائه”، وذكر أن سعود ألقى نفسه على أبيه يقيه الطعن، وأنه دفع المهاجم بيده، وأن حراس الملك أردوه قتيلا، وكذلك كان المهاجم الثاني والثالث، غير أنه بقيَتْ للثالث بقية حياة، قبل موته أو الإجهاز عليه ربما تحقق لهم من خلاله هوية المهاجمين، وسرعان ما تلقى ابن سعود برقية من الإمام يحيى يستنكر ما حصل، ويتبرأ من الحادثة(6).
ويبدو أن ابن سعود تفهَّم مدى الغيظ والحنَق الذي كان يجتاح المجتمع الــيــمــني، وأن هذه زفرة من زفرات يأسه وإحباطه، وأنه أخذ الدور على عاتقه؛ لذا فإنه حين أشارت أصابع الاتهام إلى الإمــام يــحــيـى في تدبير هذا الحادث كان عبدالعزيز أولَ من تصدَّى لهذه التهمة، ثم أشارت أصابع الاتهام إلى ولده سيف الإســـلام أحمد(7).
وقد أثبت التحقيق أن المهاجمين لابن سعود لم يكونوا مدفوعين من طرف حكومة الــيــمــن، بل كانوا يطلبون الثأر لبعض أقاربهم؛ ولهذا سرعان ما أُغْفِلت الحادثة وتبادل أبناء البلدين الزيارة وذهب الــيــمــنيون إلى مــكــة للحج(8).
ورغم أن المشهور على ألسنة الناس أن الحامل لهم هو الثأر للشهداء، غير أن تاريخ أولئك الفدائيين الثلاثة كما وضَّحته مذكراتُ أحدِهم وكونها ذكرت قربَهم من الأمير عبدالله الوزير، وامتعاضَهم من ولي العهد أحمد، وإيقافهم من العمل في فترة من الفترات من قِبَله بسبب علاقتهم بابن الوزير، وكذلك طبيعة تفكيرهم ووعيهم الأممي والإسلامي، ووعيهم بعلاقة ابن سعود ببريطانيا وبسعيهم إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين يرجِّح أن الدافع لهم دافع شعبي، إسلامي، ينطلق من الدين، والحمية الإسلامية، والعربية، وهذا ما أشارت إليه وصية أحدهم، والتي مر ذكرها، وأن كل تلك الأسباب، والتي هي مجزرة تنومة، وغضبهم من اتفاقية الطائف، وانحباطهم منها، وعلاقة ابن سعود الموالية لبريطانيا ومخططاتها في جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود – كانت كلها مجتمعة متظافرة قد دفعتهم إلى اتخاذ قرار القضاء على ابن سعود غيلة، وبتلك الطريقة.
وإذا كان لنا اعتراض على طريقة الاقتصاص من ابن سعود، وهي الغيلة، وكونها في البيت الحرام، فإن لنا ألف اعتراض على مجازر ابن سعود في الحجاز ونجد واليمن والعراق والشام، ومعظمها نفذ بطرق غادرة، ووحشية، ومقززة، وبعيدة عن كل معاني الإنسانية، على أن هؤلاء تحركوا بإرادة شعبية، وبطريقة نادرة، وهو وجيشه ووراث مملكته نفذوا أسوأ المجازر بطرق وحشية وغادرة ورسمية منظمة.
– ورغم استقرار العلاقات النسبي الذي حققته معاهدة الطائف بين البلدين إلا أن محاولات التدخل في الشأن اليمني قد بدأت منذ أواخر العهد الملكي، ولكن مع تعاظم قوة آل سعود المالية واستقرار حكمهم، في مقابل الاضطراب اليمني المستمر في العهدين الملكي والجمهوري، فقد أتاح لهم الفرصة للتدخل والهيمنة بشكل أكبر، وعندما دعمت الملكيين في الحرب الأهلية في الستينات ليس حبا فيهم ولكن لجعل الــيــمــن ساحة لمعارك الدفاع الأمامية في مواجهة الهجوم الناصري الذي كان يجاهر بسعيه الحثيث لتغيير الأنظمة الملكية في المنطقة برُمَّتها وفي مقدِّمتها النظام السعودي، حتى إذا وَجَدَتْ في القوى الجمهورية مَنْ يعطيها المساحة الكافية في الهيمنة على القرار الــيــمــني وأمِنَتْ من خطورة مصر الناصرية ركضت حلفاءها الملكيين بعيدا عن الــيــمــن.
من خلال تلك القوى في المعسكر الجمهوري أمسكت بزمام القرار السيادي والسياسي والاجتماعي والفكري والثقافي، وحرَّكت قوافل الدعاة الوهابيين الذين ينتمون إلى ذات الفكر الذي نفّذ المــجــزرة الوحشية بحق الــحــجــاج، والذين أُوْكِل إليهم تغيير ثقافة وفكر المجتمع الــيــمــني، وإغراق الــيــمــن الشافعي والزيدي المعتدِل بمجموعاتِ أفكارٍ متطرِّفة وتكفيرية تدعو إلى القتل والوحشية بحق كلِّ مخالفٍ لها في الرأي، فأثمر خلقَ قاعدةٍ تشكِّل عنصرا هاما في القوى الناعمة التي باتت السعودية تُمْسِكُ بها في اليمن؛ وهو الأمر الذي يفسِّر وجودَ هذه القوى العميلة التي نراها اليوم تقاتل في صف العدوان، ويفسر هذه المظاهر الوحشية التكفيرية التي تظهر في معسكر العدوان بين الحين والآخر.
أطَّرَتِ السعودية عملاءَها في كيانٍ ارتزاقي سمي باللجنة الخاصة ضمَّت في قوائمها أسماءَ مسؤولين وشيوخ قبائل وقادة عسكريين ووزراء ومثقفين وصحفيين وكُتّابا وأكاديميين حصلوا على مرتباتٍ شهرية وظلُّوا عصى السعودية السحرية التي من خلالهم تدير الــيــمــن وتؤثر في قراراته المختلفة وتوجهاته السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية.
على أن فريق السعودية الحاكم في الــيــمــن كان يَظْهَر بأكثر من حجمه الطبيعي بسبب قدراته السياسية السلطوية، وإمكاناته المالية والإعلامية، وسيطرته على القرار التربوي والثقافي والإعلامي، فأعطى لنفسه مظهرا خادعا وغير حقيقي، سرعان ما تبيَّن في أحداث ثورة 21 سبتمبر 2014م أنه أقل وأضعف من ذلك الظاهر، عندما اتخذ المجتمع الــيــمــني الذي استفاق فاستعاد ثقافته التاريخية واعتز بتراثه العريق، وأخذ قراره بالثورة والتصدي لهذا المشروع الوهابي الأمريكي المدمِّر في اليمن.
لم يؤمنِ النجديون يوما من الأيام في أحقية الــيــمــنيين بحياة حرة كريمة، وبوطن قوي يستفيد من إمكاناته الطبيعية والمكتسبة؛ ولهذا ظلوا دائما حجر عثرة أمام أي مشروع وطني يلوح ولو من بعيد أن فيه مصلحة الأمة وقوتها، ولهذا افتعلوا كثيرا من الأحداث التخريبية ومنها اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، إلى الحروب الست، ثم الحروب التي نشأت باسم القبائل والسلفيين وآل الأحمر وحجور والرضمة والجوف وعمران، والتي كشفت وثائق ويكليكس أنها كانت كلها مدفوعة الثمن من السعودية.
وأخيرا لما انهزم وكلاؤها في ثورة 21 سبتمبر 2014م شاءت السعودية أن تظهر كأصيل في هذه الحروب، وأن ينكشف عدوانها على الــيــمــن الذي كان يمارَس في السر إلى شكل واضح لا يقبل المواربة والستر، فختمت هذه العلاقة الظالمة بين الــيــمــن ونظامها الفتنوي بما به بدأت، فكما عرفها الــيــمــنيون من أول يوم على إثر مــجــزرة داميةٍ ختمتها بعدوانٍ قذِر وبمبررات شيطانية تضليلية، ومجازر إبادة جماعية طالت الــيــمــن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ووسطا.
وهنا لا مجال لليمن إلا المواجهة والمنازلة حتى الانتصار لكرامته والاقتصاص لشهدائه، وهو ما عمل عليه الجيش واللجان الشعبية خلال هذه الأعوام الثلاثة، كما تبشِّر به مؤشراتٌ كثيرة، تُظْهِر ميلَ موازين القوى لصالح اليمن كلما تقدمنا نحو الأمام في القدُرات العسكرية، والاصطفافِ الشعبي، بينما معسكر العدوان يصاب يوما إثر آخر بالتخبُّط والتمزُّق والتشتُّت وضبابية الرؤية، بما يعني الفشلَ المحتمَّ، وبات الجميع يترقَّب إعلانَ العدوان فشلَه، وهو الهزيمة بذاتها.
يتبع في الحلقة القادمة: الفصل السابع الأدب اليمني حول المجزرة
الهوامش:
(1) تضمنت معلومات مثيرة وخطيرة، ولهذا يعتزم الباحث إجراء دراسة لهذه المذكرات بالنقد التاريخي المنهجي، وتحقيقها، ونشرها.
(2) مصطلح تركي، وهو اسم وحدة من وحدات الجيش.
(3) اشتملت المذكرات على أخطاء نحوية ولغوية قليلة، وقد قمت بتصحيحها.
(4) لعلها كلمة ثناء وتشجيع، ويقصد بالجدين، الرسول محمد صلى الـلـه عليه وآله وسلم، والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
(5) بعض هذه الرواية سمعتها من القاضي علي أبو الرجال حفظه الـلـه، بتاريخ 13/ 9/ 2017م، وهو يرويها عن السيد علي المرنة في كيفية وقوع الحادثة، وبعضها مشهور على ألسنة الــيــمــنيين.
(6) مجلة المنار، مج34، العدد 9، ذو الحجة 1353هـ/ إبريل 1935م، ص9- 12؛ والزركلي، الوجيز، ص179 – 180.
(7) حميد الدين، الإمام الشهيد، ج2، ص221 – 222.
(8) سالم، تكوين الــيــمــن الحديث، ص432؛ نقلا عن: Philby: Saudi Arabia, p189 – 188.

قد يعجبك ايضا