مرتبات اليمنيين.. بين المساومات الأممية ومفارقات النموذج السوري

 

 

د. حسن إبراهيم الصيقل
بين شرعية لا تتجاوز حدود التوقيع والموافقة على طلعات عاصفة العدوان التي طالت الأطفال والنساء في اليمن، وبين المساومات الأممية المشرعنة لحصار محكم قضى على كل مقومات المعيشة والمساعدات الإنسانية والدواء والغذاء، يغيب راتب الموظفين اليمنيين عام كامل وفي ظل حرب عبثية غير مبررة، يقودها تحالف عدواني همجي للعام الثالث على التوالي، وفي دلالة واضحة بأن الحرب على اليمن تستهدف إنهاء الحياة أرضا وإنسانا، فالتحالف العربي الذي أعلن أنه يستهدف إعادة ما يسمى بالشرعية، يحاصر معيشة الناس ويدفع باتجاه تغييب الراتب من دورة الحياة اليومية حتى في المناطق الذي أعلن أنه حرّرها.. على العكس تماماً من دلالات التدخل الروسي في سوريا وتعهده بمساعدة النظام السوري بتسليم كافة مرتبات الشعب السوري..
الأخطر من هذه المقارنة.. هو التدخل الأممي -الذي يفترض به الدفع باتجاه السلام والتكفل بحق الشعب اليمني في الأمان المعيشي والمرتبات أهم ركائز هذا الأمن- يساوم بلا أدنى خجل على الرواتب رغم أن الأمم المتحدة من أنها وعدت حين ضغطت باتجاه نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن والتزم ما يسمى بالشرعية ومن ورائه دول تحالف العدوان بتسليم رواتب كل اليمنيين على مستوى كل مؤسسة ومحافظة.. ولم تبرد سخونة تلك الوعود إلا واتى النكث بها وبجميع الالتزامات المقطوعة علنا، لتبدأ الأمم المتحدة تساوم بالمرتبات اليمنية مقابل تسليم ميناء الحديدة لطرف ثالث وليس من طرف ثالث سواها وهي تتحرك وفق مصالح دول العدوان..
تأتي هذه المساومة الأممية في الوقت الذي سلّمت فيه الأمم المتحدة لهادي وأصحابه من المرتزقة (400) مليار ريال مرتبات الموظفين في اليمن ونقل البنك إلى عدن فلم يسلموا المرتبات حسب الاتفاق وكانت الكتلة النقدية المطبوعة في روسيا – والتي تم تمريرها بموجب وعود الأمم الممتحدة لليمنيين وللمجتمع الدولي- كفيلة بسداد رواتب 6 أشهر لموظفي جهاز الدولة غير أنها صرفت لإشعال حروب جديدة داخل الوطن ودعمت الفوضى والقاعدة في المحافظات الجنوبية..
على اليمنيين أن يدركوا أن من الحقائق المعروفة والمؤسفة هو أن الأمم المتحدة عبارة عن منظمة دولية لصناعة التوافق بين القوى الدولية التي تسيرها وفقا لمصالحها وليست جهة لإحقاق حق الشعوب رغم التصنع بالشعارات، ففي العراق أهم دليل وهو النفط مقابل الغذاء وعند ما سلم العراق لذلك الأمر باعت الأمم المتحدة النفط باربعمائة بليون دولار ولم تف الأمم المتحده بوعدها ونهبت أموال الشعب العراقي ولم توفر الغذاء للشعب العراقي، وفي البوسنة والهرسك حين اعتدى الصرب على المسلمين هناك وحصلت المواجهات بين الصرب والمسلمين تدخلت الأمم المتحدة وطلبت من الضحية وهم المسلمين أن يسلموا ما لديهم من أسلحة وسوف تقوم الأمم المتحدة بحمايتهم وعند ذلك سلم المسلمون أسلحتهم للأمم المتحدة التي بدورها تركت المسلمين يقتلهم الصرب حتى قتل أكثر من مائه وثمانين ألفاً والأمم المتحدة لم تحرك ساكنا.
وفي الحالة اليمنية تقف اليوم الأمم المتحدة بصمت على جرائم التحالف العربي قتل الأبرياء المدنيين من الشعب اليمني بطائراتهم من أطفال ونساء وشيوخ ودمروا الجسور والمصانع والطرقات والمباني والمستشفيات والمدارس والجامعات والمعاهد والكليات ويقتلون بقية الشعب اليمني بفرض الحصار والجوع ومنع صرف المرتبات.. كل هذا بزريعة اعادة الشرعية فيما شرعية هادي التي تبدأ وتنتهي عند حدود الموافقة على طلعات عاصفة العدوان عاجزة عن دفع الرواتب التي وعدت بها اليمنيين والعالم وعلى وفي مقر الجمعية العمومية للأمم المتحدة..
المفارقة الأكثر تناقضا مع شعارات من يمارسون الحرب العبثية في اليمن أن التحالف العربي الذي يشن عدواناً غاشماً على اليمن بقيادة السعودية يعتبر من أغنى الدول في العالم ويزعمون ان هذه الحرب ضد الانقلابيين وإعادة حليفهم هادي إلى الحكم ومن اجل مصلحة الشعب اليمني، بينما روسيا الاتحادية حليف سوريا والتي تقف معها في حربها ضد الإرهاب لسبع سنوات لم تنقطع المرتبات او تتأخر وتصرف شهريا بل وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الكرملين بزيادة رواتب الموظفين السوريين مدنيين وعسكريين بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك الماضي.. وهو ما جعل الرئيس الروسي بوتين يحظى بمكانة عالية لدى الشعب السوري والعربي والعالم، فحبه لوطنه وإخلاصه لشعبه وصدفه مع حلفائه وأصدقائه دفعه لرفض كل المغريات ثمنا للتخلي عن حليفه السوري وقد قالها وبكل صراحة وفخر أن أخلاقنا ومبادئنا لا تسمح لنا بالتخلي عن أصدقائنا وحلفائنا لا بالمال أو غيره..
خلاصة القول: إن الشعب اليمني بما يملكه من رصيد وافر من علاقات الصداقة التاريخية بين الشعبين الروسي واليمني الممتدة الى 80 عاماً، يتطلع إلى دور واضح ومزيد من الجهود الروسية بقيادة بوتين باتجاه إنهاء العدوان والحصار على اليمن ورفع معاناة الشعب اليمني وتخفيف وطأة تداعيات الوضع الإنساني الكارثي خصوصا على المستوى الصحي وعلى كافة المستويات..

* مدير عام مكتب الناطق الرسمي باسم الحكومة
منسق وزارة الإعلام في السفارة الروسية

قد يعجبك ايضا