بن حبتور.. والجامعة العربية

 

أحمد يحيى الديلمي
من الأشياء الإيجابية التي تحسب للأخ الدكتور / عبدالعزيز صالح بن حبتور – رئيس حكومة الإنقاذ الوطني أنه أول من دق ناقوس الخطر ونبه إلى حالات الاستحواذ الجمة التي تحيط بالجامعة العربية منوهاً إلى المرامي الخبيثة التي تسعى إلى الإنحراف بالجامعة عن مسارها الطبيعي وإبعادها عن الميثاق الذي أنشئت بموجبه من قبل قوى دولية ضاقت ذرعاً بالجامعة في زمن وهجها وألقها الثوري عندما كانت راية الثورة العربية ترفرف بزعامة القائد البطل المرحوم / جمال عبدالناصر ، فلقد قظ مضاجع المستعمرين وجعلهم يهابون من صولة العروبة بأفقها القومي الصادق إذا انطلقت وخرجت من عقالها لمقارعة الأعداء ، فتبنى بن حبتور إنشاء هيئة شعبية لدعم الجامعة مؤكداً أن هذا الكيان لن يظل بيت العرب ويلتزم بترجمة إرادة الجماهير العربية إلا إذا تم اسناده برديف شعبي فاعل قادر على التأثير ومنع هرولة الحكام والساسة العرب نحو الارتهان بالجامعة لخدمة رغبات دول كبرى ، أو إيجاد الأجواء المناسبة لاستكمال آليات التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني بعد أن يتسنى للأعداء تفريغ الجامعة من مضمونها وحصر دورها في أشياء ثانوية على حساب القضية المركزية للأمة ، بعد إسقاطها من الذاكرة الجمعية وتحويلها إلى الهامش القطري والشأن الذاتي للشعب الفلسطيني ، فقال بن حبتور في ذلك الوقت .. إن إرادة الجماهير هي الأبقى وهي الأكثر قدرة للحفاظ على هذا الكيان العربي بنفس الوهج الذي أراده له زعماء فترة التحرر من الاستعمار ، وقال : إن أمريكا ومن يسعون إلى التأثير على دور الجامعة لن يعملوا ذلك بشكل مباشر ولكن أدواتهم العربية وفي المقدمة دول الخليج ستمكنهم من ذلك ، وبالفعل في تلك الفترة بادرت هذه الدول السائرة في فلك المستعمر إلى تشكيل مجلس التعاون الخليجي كإطار إقليمي يسهم في تجزئة الأمة وتوزيعها إلى تكتلات صغيرة بهدف إضعاف القرار الجمعي للأمة الواحدة وتفريغ بيت العرب من مضمونة الثابت في ميثاق تأسيسه بدلالاته الواضحة وأفقه القومي المناصر لقضايا الأمة وفي المقدمة قضية الشعب العربي الفلسطيني ، ولأن خطوة الرديف الشعبي لم تكتمل ولم تجد صدى مماثلاً في بقية الدول العربية فإن الأعداء تمكنوا من تحقيق ما سعوا إليه ، وحولوا الجامعة العربية إلى كيان هُلامي يستقطب الاستعمار ويمكنه من السيطرة على خيرات الأمة ويبرر غزو الدول العربية ، كما حدث في العراق وليبيا والانقضاض على أنظمتها كما يحدث في سوريا واليمن ، وهي منحدرات خطيرة أكدتها القمم الأخيرة ومواقف القادة العرب من هذه القضايا ، ناهيك عن القضية الأساسية قضية الشعب الفلسطيني التي غادرت الذاكرة العربية وأصبحت على هامش الاهتمامات الذاتية للمواطن والقادة ، بفعل الضخ الانهزامي الذي ولد فكرة النأي بالنفس والتركيز على الجوانب القطرية باعتبارها كل ما يهم الإنسان في نطاق هذا القطر أو ذاك ، ولعل الدور المشبوه لدول الخليج بقيادة السعودية والمال المدنس استطاعا إخضاع عدد من القادة العرب لنفس الاتجاه الانهزامي السائر في فلك الإرادة الأمريكية ، ومن ثم أسقط كافة خيارات الفعل القومي المؤثر وقطع دابر التعاطي الإيجابي مع قضايا الأمة والتصدي الجاد لحل الخلافات الثنائية التي قد تحدث في نطاق الأمة بأفق قومي حريص على الوحدة وتغليب منطق الحوار وتجاوز أي خلافات كأساس لمنع التداعيات السلبية على الكيان التوحيدي كون الأمة كالجسد الواحد إذا أصيب عضو فيه تداعت له سائر الأعضاء بالحمى والسهر كما ثبت عن سيد البشر عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام .
من تابع كلمة أبو الغائط الأمين الحالي للجامعة العربية في آخر اجتماع لوزراء خارجية الدول العربية لاشك أن سيصاب بالغثيان والحمى ويدرك مدى الانهزام والحالة المزرية التي وصل إليها الإنسان العربي ، بل الأنظمة بشكل خاص والتي أصبحت مجرد صدى لما يعتمل في الجانب الأمريكي ، وبدلاً من أن الجامعة كانت تدافع عن الشعب الفلسطيني وقضيته الأساسية باتت توفر الحماية للكيان الصهيوني وتبرر أفعاله ضد هذا الشعب المظلوم ، بل وتسخر الدول الانهزامية لقمع ومحاربة أي دولة لا يزال فيها النفس العربي قائماً ومستعداً لأن يتصدى لنزوات العدو الصهيوني وكل من يدعمه من الأمريكان والأوروبيين والصهاينة ، كما هو شأن اليمن وحزب الله في لبنان بل في دولة لبنان والعراق وسوريا ، فهذه الدول تتعرض لهجمات شرسة من قبل الاستعمار الصهيو أمريكي ولكن بأدوات عربية ومال عربي للآسف الشديد ، والجامعة يا للآسف تبرر هذه الأفعال ، بما في ذلك الجرائم البشعة التي يرتكبها العدو الصهيونية ضد أبناء الشعب الفلسطيني المظلوم ، فماذا ننتظر من الجامعة بعد أن أكد بيان وزراء خارجيتها في اجتماعهم الأخير أن المقاوم المدافع عن شرف الأمة وحياضها وكرامة أبنائها إرهابي مهدور الدم ، ومن يُمعن في التآمر على الأمة ويمارس القتل ويُمعن في الدمار ويستهدف كل مقومات الحياة فارس مغوار طالما أنه يدافع عن الأمة ويتصدى للخطر المزعوم المتمثل في إيران ، وهي لعبة وملهاة استطاعت السعودية أن تروج لها وترسخها في أذهان بعض القادة العرب ومن لف معهم من المرتزقة والعملاء والخونة بهدف حرف بوصلة النضال عن مصدره الطبيعي وهو العدو الصهيوني ، إلى إيران الدولة الإسلامية الشقيقة ، وهذا ما تروج له أمريكا وتحاول الوصول إليه من زمن رئاسة كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق على خلفية احتجاز الرهائن بالسفارة الأمريكية بطهران ، ولكنها فشلت إلى أن جاء الأفراد المنبطحون من الأبناء المحسوبين على الأمة وكلهم من عرب اللسان لا يملكون من العروبة إلا اللغة وينطقونها ببدوية غريبة تشوه المعاني ، فمكنوا هذه الدولة من غايتها وأذكوا العداء بين العرب والفرس على أساس اثني حقير ، لا يمت للإسلام ولا إلى نهجه بأي صلة .
لذلك أتمنى على الأخ بن حبتور أن يُحيي نفس الفكرة من جديد وأن نلجأ جميعاً إلى الشارع العربي لإيجاد كيانات جماهيرية شعبية قادرة على تحريك الشارع و الحفاظ على ما تبقى من هذا الكيان قبل أن يغيب الصوت العربي وتسقط الفكرة إلى الحضيض وتصبح الجامعة بدلاً من عربية إلى ” عبرية ” لا سمح الله ..
والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا