جامعة الدول -عفواً- العربية

احمد فؤاد*

في مصر شارع يطلق عليه “جامعة الدول العربية”، يعلم كل مصري، أو عربي يتردد على القاهرة بصفة دورية أنه أصبح مأوى للساقطات، وأحيانًا يشهد تجمعًا للشواذ، باختصار تحول الشارع إلى مقر سري-علني للأعمال المنافية للآداب.
لا يبدو مصير الشارع الشهير مختلفًا عن الجهة صاحبة المسمى الأصلي: “الجامعة العربية”، التي تحولت من بعد الزهو والمد القومي فترة الستينيات، إلى مقر لتحقيق رغبات أصحاب دكاكين الخليج.
الجامعة كانت ترفع إبان فترة الألق العربي، حتى في عز الهزيمة والنكسة، لافتات “اللاءات الثلاث” لا صلح لا تفاوض لا اعتراف، وتؤيد على طول الخط شعارات التحرر الكامل من الاستعمار، وتتصدى لمواجهة الكيان الصهيوني، وزيادة رصيد القضية الفلسطينية في العالم.
كل هذا مارسته الدول العربية من خلال جامعتهم، رغم النكسة، رغم الهزيمة والتراجع في ميادين القتال، فقد أدرك قادة الدول العربية حينها أن الإرادة هي المستهدفة بالكسر، وأن العمل العربي يجب أن يستند إلى حقيقة أن الكيان الصهيوني عدو دائم، يريد الانفراد بكل دولة عربية وتحييدها، لتدمير دول “الطوق العربي” واحدة فواحدة.
جامعة الدول – عفوًا العربية، تجتمع الآن تلبية لإشارة من ابن سلمان أو ابن زايد أو ابن خليفة، لتدمير الدول العربية ومحاصرتها وقصف الآمنين العزل، لم تجد داعياً لذر الرماد في العيون، ولم تصدر حتى بيان “إدانة”، لا يساوي الحبر الذي يكتب به.
أكبر عدو أمام الشعوب العربية هو أنظمة حكم أبشع من أنظمة الاحتلال الصريح، فحتى في ظل الاحتلال قاتلت الجيوش في فلسطين دفاعًا عن فلسطين، وخرجت من الشعوب العربية كتائب الأحرار لتسطر تاريخًا في الدفاع عن وطن عربي يتعرض للسرقة.
أما في ظل سجن النظم التابعة العميلة فقد صار بيان حقير صعب المنال، فالحكام العرب لا يريدون إغضاب الأمريكان أو الصهاينة، فالمصالح واحدة، ورضا الكيان عن الحاكم يعني نيل الرضا الأمريكي.
بالطبع لا يمكن فهم التحول العربي الدراماتيكي إلا بفهم من يقرر في الجامعة العربية، فعوضًا عن مصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر، تحولت الجامعة الآن إلى مكتب ثان لأمراء أكشاك الخليج، وسيطروا على القرار العربي، بعد أن كانوا في الستينيات مجرد توابع لقرار الحواضر العربية التقليدية.
تدفع الشعوب العربية في هذه اللحظة من عجز الإرادة ثمنًا باهظًا لصعود الصحراء العربية مقابل الوديان، تدفع ثمنًا لخضوع القوى العربية الأكثر قدرة على التعبير عن مصالح الشعوب الحقيقية لسيف البترودولار الخليجي.
في مقابل مشروع مصري سوري في الستينبات كان يرى في التحرر العربي خطوة لازمة ومكملة للوحدة، أيًا كان شكل الوحدة، كان يوجد مشروع سعودي يريد دفع المنطقة إلى مناطق النفوذ الأمريكية، وتحويل الشعوب إلى لاجئين –بالمعنى المجازي للكلمة- في انتظار الرضا الغربي.
الشاهد الآن، مع القرار الأمريكي بنقل سفارتهم لدى الكيان الصهيوني إلى القدس، أن المشروع الصحراوي نجح في نقل المنطقة بالكامل إلى مراعي السيطرة الأمريكية، لكن الأمل موجود بمشروع المقاومة الذي يمتد بثقة من لبنان على يد حزب الله، وسوريا على يد جيشنا العربي، إلى العراق بالحشد والجيش، واليمن على يد أنصار الله.
في خراب الصحراء .. حياة للحواضر العربية القاهرة ودمشق وبغداد.
* (صحافي مصري)

قد يعجبك ايضا