الصفقة الرابحة

سعاد الشامي
في حلبة الحياة يمتد الصراع البشري منذ بداية التواجد على ظهر هذه الأرض إلى أن يأتي اليوم الموعود بالنهاية الحتمية ولا مجال حينها لإيقافه أو تغيير مساره.
الحياة بثقلها ومتغيراتها وتقلبات أحداثها مسخرة تسخيرا كاملا بما يتناسب مع مسؤولية البشر في استخلافها وإعمارها بعد أن منحهم الله كل الإمكانات والقدرات وميزهم بالعقل وهيأ لهم قابلية التكيف مع ظروفها بواسطة الإلهام لمحتويات الحياة وبالتالي تحديد اتجاه مسارهم عليها.
في هذه الحياة طريقان لا ثالث لهما: طريق الحق وطريق الباطل, وكل شخص مخير بينهما..لذلك كان لزاما أن نجد في القوى المتصارعة في الحياة فريقاً مع حق وفريقاً مع باطل.؛ وفريقا مع الله وفريقا مع الشيطان ، وفريقا مع الهدى وفريقا مع الضلال.
أهل الباطل هم من يحملون نزعة الحقد والعداء والإجرام والإفساد في واقع الحياة وانتهاك حرمة النفس البشرية ، والتغاضي عن كل ذلك الإفساد والسكوت على كل ذلك الاجرام قد يؤدي إلى استهداف كامل لحياة البشر من دون استثناء!
لذلك كانت من حكمة الله تعالى أن يعرض على عباده صفقة إلهية للمواجهة والتصدي لتلك القوى الشريرة ونصرة لمن طالهم إجرامها من المستضعفين ، أسماها الجهاد, والجهاد في حقيقته بذل المال والنفس في مقابل الجنة.
ولاشك أن النفس هي أغلى مانملك نحن البشر والموت هو أقصى ماتصل إليه مخاوفنا, ومن هنا تتجلى قيمة هذه الصفقة وتكمن صعوبة الموقف وقداسة التضحية وعظمة الجزاء.
ولتتم تلك الصفقة بنجاح لابد من توفر شروط في أطرافها فالمشتري واحد لاشريك له ولامنافس ولايمكن أن تتم مع غيره والبائع هو كل من يملك الإيمان القوي والثقة بالله وطهارة القلب وزكاء النفس والأخلاق العطرة والقيم الإنسانية والمبادئ البطولية والتحرر من شهوات الحياة الزائلة فلا يصدق المخلوق عهده مع الخالق حتى يكون مؤمنا موقنا بصدق الخالق في وعده للمخلوق فينال الربح والفوز العظيم بالحياة الدائمة في جنات النعيم.
ولهذا كان الشهداء هم الصادقين عهدهم الباذلين أنفسهم الرابحين وحدهم فسلام الله عليهم بما صدقوا وبذلوا, وجاهدوا ونالوا ولهم العهد منا بالمضي على دربهم ونصر قضيتهم التي حملوها في ثنايا قلوبهم وانطلقوا منها إلى ميادين الجهاد وفازوا بها بمنزلة الشهادة.

قد يعجبك ايضا