هذه هي الزهراء 2-1

 

أمين صالح هران

الحمدلله على نعمائه، والشكر لله على الآئه، فوق حمد الحامدين وشكر الشاكرين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين عدد ما ذكرهم الذاكرون، وغفل عن ذكرهم الغافلون.
فإنه كان ولا يزال يراودني أن اكتب شيئاً عن سيدتي ومولاتي وقرة عيني وتاج رأسي: فاطمة الزهراء ابنة أعظم نبي، وزوجة أعظم ولي، وأم أعظم ولدين : الحسن والحسين عليهم جميعا الصلاة والسلام وكنت أتهيب ذلك، وأخشى أن لا أعطيه حقه.
ولي الحق في ذلك فإنني أمام شخصية غير عادية، فالسيادة تحف بها من كل جانب: فأبوها محمد بن عبدالله سيد الأنبياء والمرسلين، بل سيد الخلق أجمعين أمها: خديجة الكبرى سيدة نساء العالمين وزوجها: علي سيد العرب وسيد المسلمين وابناها: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
فلا غرو بعد أن تكون هي: سيدة نساء أهل الجنة كما أن مكارم الأخلاق لها ملازمة، ومحاسن الأوصاف بها قائمة، تجمع فيها ما تفرق في غيرها من الصفات الجليلة والسمات النبيلة.
فإن قلت: الصدق فهي الأصدق لهجة بعد أبيها .
وإن قلت: الطهارة فهي ممن أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وإن قلت: العلم فهي بنت مدينة العلم، وزوج باب مدينة العلم.
وإن قلت: العبادة فهي البنول التي انقطعت لعبادة ربها، والتزمت محرابها.
وإن قلت المعرفة، فهي فاطمة التي فطمت عما سوى ربها، وفنت في خالقها.
وإن قلت الجمال والبهاء، فإنها الزهراء التي تزهر جمالاً وبهاء وسناءً.
وإن قلت: الخير والنفع، فهي الكوثر المدرار، والخير الهدار.
وإن قلت: المنزلة من ربها سبحانه، فرضاه في رضاها وغضبه من غضبها.
وإن قلت: المنزلة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهي أحب الناس إليه، بل هي روحه التي بين جنبيه، فلا غرو أنه ينبسط لبسطها، وينقبض لقبضها.
وإن قلت: النسب، فلها أشرف الأنساب، وأكمل الاحساب.
وإن قلت: التواضع، فقد كانت تكنس، وتطحن وتخبز بيدها.
وإن قلت: الصبر، فقد شاركت أباها في جل مصائبه، فإن ذكرت الحصار في شعب أبي طالب فقد كانت حاضرة فيه، وإن قلت: أذى قريش لأبيها فقد أدكته وآلمها كما آلمه، وإن قلت: عام الحزن فهو لفقد أمها خديجة، وإن قلت الهجرة والغربة فهي من المهاجرات الصابرات، وإن قلت: الغزو والجهاد فقد كانت تخرج مع ابيها في بعض الغزوات تطببه وتضمد جراحه: وإن قلت: أذى المنافقين في المدينة فما سلمت منه، وزد على ذلك أنها أصيت بفقد أبيها وهو الذي هد كيانها وما أطاقت العيش بعده فما لبثت أن لحقته، فهي بحق الممتحنة الصابرة المحتسبة.
وبماذا يمكن لغيرها أن تزاحمها أو تدانيها: وإن قلت: رضي الله عن فلانة وفلانة، فأين هذا ممن رضا الله تعالى في رضاها، وغضبه في غضبها؟ وحقاً لو أنصف الدهر لما قدم عليها غيرها، ولما فضل عليها سواها.
الأصدق لهجة بعد أبيها: عن عائشة رضي الله عنها: إنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: ما رأيت أحدا كان اصدق لهجة منها إلاّ أن يكون الذي ولدها.
وقد صح في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً) فالذي يصدق ويتحرى الصدق يكتب صديقاً، فما بالك بالأصدق لهجة، التي لا أصدق منها إلا أبوها، أليست هي الأولى بدرجة الصديقة العظمى.
فما بالنا لا نعرف لها هذا، ولا نصفها به مع أنها أولى من تحقق به، ولا يعرف من وصف بالصديقية من النساء غيرها إلا مريم بنت عمران فقد قال تعالى ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة) وما أشبه مريم بالزهراء عليها السلام، ونشير إلى بعض أوجه الشبه بينهما في ما يلي: قال الله تعالى عن مريم ( وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك، وطهرك على نساء العالمين) فقد ذكر الله تعالى لمريم في هذه الآية مقامات منها: الاصطفاء، التطهير، وإن ذلك على نساء العالمين، وكلها ثابتة للزهراء عليها السلام فإما المقام الأول وهو مقام الاصطفاء: فقد قال الله تعالى( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين) وفي صحيح البخاري قال ابن عباس: المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران، وآل ياسين وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم) وإضافة آل محمد هي قراءة أئمة أهل البيت، كما نقل الألوسي الحنفي في تفسيره لهذه الآية، وهي أيضاً قراءة الصحابي عبدالله بن مسعود, إذاً ففاطمة الزهراء عليها السلام ممن اصطفى الله تعالى.

قد يعجبك ايضا