عسير ونجران وجيزان.. الوجهة المفضلة للمقاتل اليمني

هزائم السعودية في جبهات الحدود تتحول إلى فضائح
ابداع المقاتل اليمني في جبهات ما وراء الحدود يبلغ ذروته

الثورة/يحيى الشامي

حيث لا تهجع الطائرات في الجو ولا يهدأ الدخانُ والرصاصُ على الأرض هنالك .. خلف الحدود على تخوم قصور الأعراب وملوك البترودولار، يخوض اليمنيون معركة الوجود بعقيدة قتالية هي حصيلة قرون من اقتران الإنسان بالأرض، ومزيج حضارات تعاقبت وأمم تهالكت وعصور تتابعت كان اليمني بطل رواياتها وأسطورة ملاحمها، وهو ذا يُطل من الأمس الى اليوم ويُعلنُ عزمه إكمال فصول الرواية وتصحيح التشوهات التي اعترتها وإعادة الأبطال الذين اعتزلوها.
في جيزان وعسير ونجران يصلُ إبداعُ المقاتل اليمني – ما نظنّهُ – منتهاه في التخطيط والتمويه والتموضع وترسيم مداخل الاشتباك ومنافذ التنكيل ومسارات التوغل فوق أسيجة الحدود وأسوار التحصينات، ثم تعود بنا الدهشة من جديد عند عودته لتسطير ملاحم البطولات بفوهات بندقيته وشظايا عبواته ومنعطفات كمائن الموت ورصاصات القنص ، وأمام عجز أقلام المحللين وكلمات الخبراء والمتحدثين، في راهن اللحظة ووقت وقوع المعركة، يضع الإعلام الحربي مكتبته المرئية في رسم الأجيال القادمة والأقلام المنصفة علها تنجح في رفع رصيد المنجزات الى سُدة الوعي ووضعها في مصافي الشعوب المناضلة والأمم المضحية، أما صياغتها كدروس ومناهج متعدد العناوين والفهارس، فبدٌ أدركه الغرب وعكف عليها خبراؤه منذ أول طلقة يمنية تجابه وتواجه (الإف والرافال والابرامز).
في معرض حديثها عن حرب السعودية ضد اليمن تتحاشى وسائل الإعلام الغربية الخوض في تفاصيل الانتصارات التي يُحرزها اليمنيون داخل الأراضي السعودية ، وغالباً ما كانت تقارب الموضوع من ناحية الأداء الفاشل للجيش السعودي والإساءة التي تعرّض لها السلاح الأمريكي الحديث نتيجة فشل الجيش السعودي في استخدامه، وبالرغم من أن حديث الصحافة الغربية جاء من قبيل الابتزاز والتعريض بالسعودي إلا أن وقائع الانتصارات التي ظل يُحرزها اليمنيون في جبهات ما وراء الحدود نجحت في تكريس الحقيقة على الأرض وعولمة الإبداع العسكري اليمني كطرفٍ يواجه أحدث وأكبر ترسانة حربية يستخدمها تحالف كوني في حربه على اليمن، وقد مثّلت جبهات ما وراء الحدود رأس الحربة في هذه المعادلة العسكرية مختلة الموازين وعلى تضاريس جيزان وعسير ونجران ومناخاتها المختلفة على مدار ثلاثة أعوام من المواجهة ذهبت نتائج الملاحم العسكرية الى صالح الجيش واللجان الشعبية وفرضت واقعاً مغايراً لمحاولات اختراق جدار الصمود اليمني وانتزاع زمام المبادرة من أيدي اليمنيين رغم جنون الآلة العسكرية وبطشها الهائل وحشد قواته المجمّعة بالمال السعودي والقادمة من صفقات الابتزاز السياسي وبلطجة الدبلوماسية السعودية.
الاستراتيجية العسكرية التي اتبعها العدوان السعودي في هذه المحاور وضعت المنافذ الرسمية بين البلدين كأهداف رئيسية سعى جاهداً الى وضع يده عليها كأهداف يتوجّب على من تُسمّى “الشرعية” السيطرة عليها ، وبهذا يتم تقديم العمليات العسكرية على الحدود بين البلدين كجزء من معارك اليمنيين مع بعضهم وكنقطة من محاور استعادة ما تُسمى الشرعية لنفوذها، هذه الصورة المكذوبة أسقطها سريعاً المقاتلون اليمنيون عندما شرعوا في تنفيذ علميات باتجاه عمق أراضي جيزان ونجران وعسير بعد أشهر من العدوان على اليمن، اضطرت المملكة تحت وقع خسائر جيشها وخسارة أراضيها ومعسكراتها وجانب كبير من سمعتها الى الاستنجاد بآلاف المرتزقة اليمنيين مستغلّة نفوذ عشرات القادة العسكريين والوجاهات الهاربين لديها في التحشيد والتجميع، وقد نجحت تحت وطأة الحصار التي تفرضه على اليمن في استغلال الكثيرين والزج بهم الى معارك الدفاع عن سيادة المملكة وتحت يافطات متعددة تداولت الكثير منها واستهلكت معظمها.
نقلت القيادة اليمنية المعارك من عنوانها الذرائعي “تحرير المنافذ الرسمية” الى جوهرها الحقيقي معارك استعادة المدن السعودية التي أسقطها اليمنيون في أيديهم خلال الأشهر الأولى من المعركة كقرية الحثيرة ومدينة الخوبة في جيزان والقرى المحيطة بها ومدينة الربوعة والجبال والوديان المجاورة لها جنوب عسير، ومدن آهلة بالسكان تاخمها اليمنيون وأشرفوا عليها من جبال نجران حيث دار الإمارة على مرمى بندقية.
وأمام تسارع انهيار القوات السعودية وسقوط أسطورة المدرعات وأساطيل الطيران بأنواعه سارعت القيادة السعودية الى استقدام مقاتلين أجانب وجيوش متعددة الجنسيات للحد من فضيحتها ووقف نزيف قواتها، وبالفعل جرى نشر هذه القوات على مراحل وفق أكثر المحاور سخونة وأشد الجبهات التهاباً ، فكان لـ”سيدة الجبهات” ميدي النصيب الأوفر من المرتزقة، فقد تم اختبار مرتزقة البشير من ألوية وكتائب الجيش السوداني في هذه الجبهة، حيث باشرت قيادة العدو السعودي منتصف العام الماضي بالزج بلواء سوداني كامل في عرض صحراء ميدي بعد إعادة تسليحه من مخازن الجيش السعودي، ليتجلّى للمسؤولين العسكريين والقادة السياسيين أن الآمال العريضة التي علّقها على جموع الجنجويد ومرتزقة الجيش السوداني ما هي إلا محض سراب ووهم انتصار باعه البشير للسعودية، وأن فشل من سبقهم من الجيش السعودي والمرتزقة اليمنيين لم يكن مرده الى ضعف في الأداء أو لقلة خبرة، وإنما لحقيقة واحدة تتكرس في كل جبهة وعند كل معركة وهي أن سر صمود وتفوّق المقاتل اليمني هو عقيدته الفولاذية وإيمانه الراسخ ورؤيته الواضحة وثقته الكبيرة بالقضية والقيادة، تعزز هذا الإيمان وتمكن ليس في قلوب المقاتلين المرابطين في الجبهات وحسب بل امتد ليصل نفوس الملايين من الشعب اليمني وامتد زخماً يدفع الآلاف صوب معسكرات التدريب في موجة شعبية مساندة ومواكبة لمعركة التحرّرِ والكرامة، ولعلي هنا أتذكّر أيام زيارتنا لميدي في شهر مايو من العام الماضي حين وقف أحد أفراد اللجان الشعبية أمام جثة مرتزق سوداني في مزارع ميدي وهو يُردّد : الآن أدركت حقيقة القول إن اليمن مقبرة الغزاة..!
متعددو الجنسيات ضحايا (محلية الصنع):
بفيض من مشاعر الفخر والاعتزاز، يُمسكُ القناص اليمني بقناصته محلية الصنع كرمزٍ لقضيّته التي يُقاتل بها دفاعاً عنها، خصوصيتها هذه جعلتها أكثر من مجرّد أداة للحرب الى اعتبارها جزءاً من أسبابها، ومن ثقب ناظورها المحدود يستشرفُ اليمني مستقبله الرحب واسع الأفق، وفي تزايد مدياتها تعبيرٌ عن مخزون العزيمة لخوض معركة النفس الطويل.
قد تكون أكثر الأسلحة اليمنية تفعيلاً في الجبهات وخوضاً في غمار المعارك، حيث لا تتوقف أخبار عمليات القنص التي تُنفذها وحدة القناصة على مدار الساعة يومياً، حاصدة رؤوس وأرواح العشرات من المرتزقة بمختلف جنسياتهم، وللجندي السعودي من رصيد ضحاياها نصيب وافر، يبلغ حداً يُجبرُ وسائل إعلام العدوان على الاعتراف بعدد قتلاه وأحياناً تعداد أسمائهم، وحصادها عاجلٌ يظهرُ خبره مساء كل يوم بتوقيت الجيش واللجان وتوثيق الإعلام الحربي، حيث لا يقل عدد قتلاها عن العشرة في حدوده الدنيا، تحتفظ ذاكرة اليمنيين بمئات المشاهد من حصاد عشرات الجبهات، غير أن فاعليتها وبأسها في جبهات وراء الحدود والحدود أشد فتكاً وأكثر زخماً وإثارة، فقد جرت العادة أن يبلغ أثرها وعظيم صنعها بجيش العدو السعودي فرض حصار عليهم وقيود لحركتهم وتنقلاتهم.. اشتهر القول بينهم تحذيراً :(ترى القناص بو يمن شايفك).
حامل العبوة وصانع الكمين:
مضى من الوقت ساعة وسبعة وأربعين دقيقة منذ تم زراعة العبوات الناسفة في عدة منعطفات على الطريق الواصلة بين سفح جبل قيس جنوب جيزان ومواقع العدو السعودي أعلى الجبل..
ينتظر فريق هندسة العبوات المضادة للمدرعات مرور “صيد ثمين”، من الواضح أن وحدة الاستطلاع والرصد التابعة للجيش واللجان الشعبية في هذا المحور مدّتهم بمعلومات تُفيدُ بقدوم شخصيات عسكرية هامة قد يكونوا قادة في قوات حرس الحدود السعودي أو رُبّما زائر رفيع الرتبة العسكرية من إحدى الفرق العسكرية التابعة لدول العدوان والمُرابطة في أراضي جيزان، على الخطوط الخلفية للجبهة حيثُ عادة ما توكلُ اليها مهمات القصف المدفعي المساند، أما طبيعة الزيارة المقرّرة فقد جاءت تلبية لدعوة وجّهها قائد الموقع بغرض رفع معنويات عسكره المرابطين في الموقع الجبلي.
طُلب من فريق المنفذ للعملية – وعددهم اثنان بالإضافة الى مصوّر الإعلام الحربي- الاستعداد اثر اقتراب سيارة “مميزة” من الموقع المحدد، من الواضح -يقول الفريق- إن الهدف يستحق الانتظار؛ الاستطلاع يُشير الى أن الموكب مكوّن من سيارتين يفصل بينهما مسافة كبيرة “احترازية” كبيرة نسبيّاً تجنبًا لوقوعهما في كمين محتمل، اقتربت السيارة الأولى من النقطة “ب” حيث زُرِعت أكثر من عبوة، عند وصول المركبة المدرعة المُحمّلة بالضباط الى موضع العبوة يُباشر الفريق بالتفجير، بينما يُوثّق الإعلام الحربي كل التفاصيل، من المؤكد كل من شاهد صور الكمين التي وزّعها الإعلام الحربي أن كل من في الموكب قُتلوا إضافة من جاؤوا محاولين الإنقاذ فقد انفجرت بهم عبوة أخرى في النقطة “أ” ، في الكمين الذي أُطلق عليه بالكمين المزدوج والذي انتهى برفع جندي سعودي يديه معلناً استلامه في إشارة الى إدراكه أن وراء هذه الكمائن المدبرة فريق عمل درس يُشرف على العملية ويُديرها بعناية تماماً كما اهتمامه بدراسة المكان والتخطط بدقة للكمين.
في رواية هذا الكمين المزدوج والتي تُنشر هنا للمرة الأولى الرواية الكاملة للكمين الأخير الذي جرى في جبل قيس جنوب جيزان منتصف شهر مارس، وحرصت على عرضه في المقام لتقديم مثال واضح عن الكيفية والطريقة التي ينفذ عبرها المجاهدون اليمنيون الكمائن ضد دوريات جيش العدو السعودي، وقد شهد العام الأخير من العدوان تنفيذ مئات الكمائن في جبهات جيزان وعسير ونجران، تجاوز أعداد قتلاها المئات علاوة على قتلى وخسائر المرتزقة.
الجبهة المفضلة:
يُفضل غالبية المقاتلين اليمنيين أداء الواجب الجهادي في جبهات ما وراء الحدود، في الأمر سرٌ يتعلّقُ بجحيم الحقد التي أشعلها بنو سعود في صدور اليمنيين، وعكفوا على إذكائها بآلاف الجرائم والانتهاكات والمجازر على مدار ثلاث سنوات، فضلاً عن إيغال السعودي في إهانة وامتهان كرامة المغتربين اليمنيين داخل أرض الحرمين الشريفين، وغيرها من الانتهاكات التي يطول ذكرها ولوائحها، وليس أمام اليمني من مجال للثأر والانتقام إلا جبهات الحدود في جيزان وعسير ونجران، حيثُ يفترض اليمني من اللحظات الأولى لالتحاقه بمعسكرات التدريب أن وجهته وجبهته ستكون على الحدود وفي العمق السعودي حيث يُرابط رفاقه، وهو شعورٌ متجذر في وعي اليمنيين ويعكس حقيقة أن المعركة بين كيانين ومشروعين نقيضين على أرض واحدة هي الجزيرة العربية.

قد يعجبك ايضا