المعارضة السودانية.. بين جزرة البشير وعصاه

خالد عبدالمنعم
يتعامل الرئيس السوداني، عمر البشير، مع المعارضة بكثير من العشوائية والمزاجية الممزوجة ببعض الحسابات السياسية الآنية والسريعة؛ ففي نهاية مارس الماضي أجاز مجلس الوزراء في اجتماعه الدوري برئاسة النائب الأول للرئيس، رئيس مجلس الوزراء القومي، الفريق أول ركن بكري حسن صالح، مشروع قانون مكافحة جرائم المعلوماتية لسنة 2018م، بموجبه يتم إلغاء القانون السابق لسنة 2017م لمواكبة التطور التقني الكبير في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وظهور جرائم حديثة يتم ارتكابها بواسطة برامج وتقنيات حديثة.
ويأتي القانون الجديد لاستيعاب الجرائم متعدية الأثر عابرة للحدود والجرائم الواقعة على النفس والأموال والحقوق واعتراض التحويلات المالية وانتهاك حقوق الملكية الفكرية وإثارة الكراهية ضد الطوائف والجماعات وجرائم الآداب والنظام العام ونشر الأخبار الكاذبة وإشانة السمعة وانتهاك حرمة العقائد الدينية وإهانتها وغسل الأموال والإرهاب والإتجار بالبشر، بجانب جرائم المؤثرات العقلية من مخدرات وخمور وتهديد الأطفال وفاقدي التمييز، ونوه بأن مشروع القانون شدد على العقوبات التي تترتب على هذه الجرائم ورفعها إلى عشر سنوات.
تشديد الحكومة السودانية على العقوبات في جرائم المعلوماتية لتصل عقوبتها إلى عقد من الزمان، يأتي في إطار تصاعد الجدل في الشارع السوداني خوفًا من التضييق على الحريات الشخصية والعامة، بعد إعلان الحكومة السودانية تعديل القانون، فصلاحيات القانون الجديد قد تمتد لمعاقبة كل من يستخدم شبكة المعلومات، أو الاتصالات، أو أي من وسائل المعلومات، أو أي تطبيقات إلكترونية، لنشر أفكار أو أفعال أو أقوال مخالفة للنظام العام، أو الآداب، أو الترويج لها.
تضييق البشير على المعارضة أتت أيضًا من خلال أطر مختلفة؛ فقبل أسبوع أفادت تقارير إعلامية سودانية بأن الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة، أبرز الأحزاب المعارضة، يواجه اتهامات قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، حيث وجهت نيابة أمن الدولة دعاوى جنائية إلى المهدي، بسبب تعامله وتنسيقه مع الحركات المسلحة المتمردة، لإسقاط النظام بالقوة، بعد انتخابه رئيسًا لتحالف “قوى نداء السودان”، الذي يضم المعارضة بشقيها المسلح والسياسي، بحسب المركز السوداني للخدمات الصحفية المُقرّب من الحكومة، لتغضب الخطوة التي اعتبرتها تُعرقل أي جهود لإجراء حوار وطني وإنهاء الحرب التي تشهدها البلاد.
وبالعودة إلى قانون جرائم المعلوماتية، فإن النيابة اتهمت السياسي السوداني بتحريض المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الخروج عن سياسة الدولة، والتمرد عليها وإحداث الفوضى وزعزعة الاستقرار، وتأتي هذه التطورات، بعد عقد تحالف قوى نداء السودان لعدة اجتماعات في العاصمة الفرنسية باريس، قبل حوالي أسبوعين، توصلت إلى ضرورة اعتماد الوسائل السياسية السلمية لإحداث التغيير؛ تكون عبر الانتفاضات الشعبية السلمية، أو حوار وطني.
كما انعقد في أبريل الجاري المؤتمر السابع لملتقى ايوا للسلام والديمقراطية بمدينة ايوا سيتي بالولايات المتحدة الامريكية، بمشاركة ممثلين للقوى السياسية السودانية المعارضة في أمريكا، وخاطب المؤتمر في جلسته الافتتاحية عبر وسائل الاتصال الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي ورئيس قوى (نداء السودان)، وجِبْرِيل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، وفاروق أبو عيسى رئيس هيئة قيادة قوى الإجماع الوطني، وعلي محمود حسنين رئيس الجبهة الوطنية العريضة.
واللافت، أن الرئيس السوداني أصدر أمرًا بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين في البلاد، حسبما قالت وكالة الأنباء السودانية (سونا)، موضحة: “يأتي إطلاق سراح السجناء السياسيين لدعم روح المصالحة والوفاق الوطني والسلام الذي خلقه الحوار الوطني ضمن خطوات التحضير لدستور دائم للبلاد”.
الخطوة تظهر تحايل الرئيس السوداني على المعارضة، في ظل الأساليب الترهيبية التي يتبعها معهم، خاصة أن السلطات السودانية كانت أعلنت الإفراج عن 80 من النشطاء والشخصيات السياسية في فبراير من العام الماضي بعد أمر مماثل من البشير، لكن الكثيرين منهم مازالوا قابعين حتى الآن في سجون النظام، فلجنة التضامن مع المعتقلين في السودان أكدت الشهر الماضي استمرار جهاز الأمن والاستخبارات في اعتقال 88 من القياديين المعارضين والناشطين، أبرزهم الأمين العام للحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب، ورؤساء أحزاب المؤتمر السوداني عمر الدقير وحشد الوحدوي، صديق عبدالجبار، والناشط الإسلامي يوسف الكودة، المعتقلين منذ بعد اندلاع احتجاجات متفرقة ضد إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة.
ويعقد البشير منذ عام 2015م، اجتماعات مستمرة مع المعارضة والجماعات المتمردة تحت لواء الحوار الوطني، ويهدف ذلك جزئيا لإنهاء الصراع في المناطق المتحاربة في دارفور، لكن الكثير من الجماعات قاطعت المبادرة، مطالبة بإلغاء ما يسمونه بالإجراءات الأمنية القمعية وقوانين الصحافة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

قد يعجبك ايضا