أزمة.. غزة حصار الاحتلال وظلم ذوي القربى

12 عاماً مرّت وقطاع غزة يئن تحت وطأة حصار الاحتلال الإسرائيلي وظلم الأهل في رام الله وتماهيهم مع قسوة السجان، ما فاقم الأزمة الإنسانية التي أصبحت أكبر من طاقة الفلسطينيين في هذا الشريط الساحلي الضيّق على تحملها.
حكومة الاحتلال الإسرائيلي وكعادتها سعت إلى التهرب الأخلاقي والقانوني من مأساة القطاع المحاصر، وتحميل المسؤولية إلى أي طرف آخر، وترى في السلطة الفلسطينية داخل رام الله ضالتها، ولاسيما أن هذه السلطة “جسمها لبيس” أكثر من اللازم، وتماهت مع حصار كيان الاحتلال للقطاع وكأن سكان القطاع من دولة أخرى وليس من المفروض على محمود عباس وسلطته العمل من أجلهم أو حل مشكلاتهم بل بدت كأنها رديفة لحكومة الاحتلال وداعمة لقراراتها تجاه سكان القطاع ما فاقم الأزمة على القطاع وأهله.
وسعت الدعاية الإسرائيلية ومعها الدعاية الإعلامية التابعة للسلطة الفلسطينية إلى توجيه إصبع الاتهام صوب المقاومة في غزّة، وخاصة حركة حماس صاحبة السيادة عليها، تحت ذريعة أن المقاومة تطوّر من قُدراتها القتالية ضد دولة الاحتلال بدلاً من استثمار المال في مشاريع تنموية تُخفّف من أزمات غزّة الاقتصادية، كذلك تتذرع الدعاية الإعلامية الإسرائيلية أن العقوبات التي فرضها الرئيس أبو مازن على غزّة، هي المسؤولة عن تدهور الوضع الاقتصادي فيها، وهي اتهامات لم تفنّدها سلطة عباس بل على العكس عزّزتها من خلال عمل الدعاية الإعلامية التابعة لعباس.
حيث فرضت السلطة الفلسطينية في الربع الثاني من عام 2017م عقوبات على قطاع غزة أدّت إلى شلل اقتصادي ومالي وتدهور معيشي غير طبيعي، وأوصلت القطاع إلى حافة الانهيار إن لم يكن الانهيار الحقيقي. ولم ينجح اتفاق أكتوبر الماضي بين “حماس” وفتح” في إنهاء العقوبات التي شملت الموظفين وقطاعات الكهرباء والصحة والتحويلات الطبية، واشترط عباس وحكومته على “حماس”، تسليمها قطاع غزة دفعة واحدة لتتولى المسؤولية الكاملة عنها، إذا أرادت المصالحة وإنهاء الانقسام، وعمد عباس إلى تأليب الشارع الغزّاوي على حركة حماس لعلّه ينجح في مساعيه هذه من خلال دق إسفين بين الحركة ومواطني القطاع وإظهار حماس بمظهر المسبب لأزمتهم وقطع أرزاقهم.
فالاقتصاد في قطاع غزة الذي وصل إلى حافة الانهيار، كان يقوم بشكل كبير على رواتب موظفي السلطة، لكن خلال عشر سنوات من عمر الانقسام عملت السلطة على تقليص فاتورة الرواتب من خلال الفصل والتقاعد المبكر والخصومات التي وصلت لنسبة 30-50%، يؤكد أن ما نراه اليوم من حالة انهيار الاقتصاد بالقطاع السبب الرئيس فيه يتعلق بخصم الرواتب، فهذه الإجراءات العقابية أضرّت كثيراً بالاقتصاد المنهك وزادت من معاناة أهالي القطاع، وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن عدد العاطلين عن العمل العام الماضي بلغ حوالي 364 ألف شخص بواقع 146 ألفاً في الضفة الغربية، و218 ألفاً في قطاع غزة، حيث بلغ في قطاع غزة 43.9%، وأشار التقرير إلى أن مشاركة الرجال في القوى العاملة حوالي أربعة أضعاف مشاركة النساء، وأن القطاع الخاص هو القطاع الأكثر تشغيلاً في فلسطين.
حتى ملف الكهرباء لم يسلم من سياسات محمود عباس العقابية ضد قطاع غزة وأهله، حيث منعت السلطة في رام الله إمداد محطة كهرباء القطاع بالوقود اللازم لتشغيلها، وفرضت ضرائب ورفعت سعره إلى ثلاثة أضعاف، ما شكّل كارثة حقيقية على غزة وخاصة القطاع الصحي وآلاف المرضى والأطفال الرضّع، ناهيك عن أن القطاع الذي يعيش فيه نحو 1.9 مليون نسمة، منذ 10 سنوات، يعاني من أزمة كهرباء حادة، إذ لم توفّر إسرائيل أي فرصة لتدمير البنى التحتية في القطاع وتركت محطة كهرباء واحدة في القطاع يمكن اعتبارها كأنها خارجة عن العمل، في حين تقوم وزارة الصحة الفلسطينية باستخدام مولدات صغيرة كي تستمر بتقديم الخدمات الصحية للمواطنين.
وعلى الصعيد الطبي أيضاً، فإن المستشفيات في القطاع وبالإضافة إلى معاناتها من نقص الوقود، إلا أن هذه ليست كل مصاعبها، إذ تعاني من مشكلة لا تقل أهمية وخطورة وهي نقص المستلزمات الطبية الضرورية التي تتجدد بين الحين والآخر لأسباب تتعلق برفض سلطات الاحتلال إدخالها إلى قطاع غزة أو تعمّد السلطة في رام الله عدم إرسال الكميات المطلوبة بالتنسيق مع الاحتلال رغم أن نصيب غزة من الأدوية والمستهلكات الطبية المقدّرة بـ 40 % للقطاع و60 % للضفة تقدم عبر البنك الدولي ولا دخل لتل أبيب أو رام الله بها، ما خلق أزمة دواء حقيقية في قطاع غزة ازدادت حدّتها مع استمرار الحصار، خاصة في بعض الأصناف الخاصة بغرف العمليات والتخدير والجراحة، وخلق معها حالة من الضغط النفسي والقلق والتوتر يعيشها المريض وذويه كل يوم في القطاع المحاصر.
يذكر أن قطاع غزة الذي يعيش فيه قرابة 2 مليون فلسطيني يعاني منذ قرابة الـ12 سنة حصاراً إسرائيلياً مشدداً، بعد الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس، ما أثّر بشكل كبير على حياة الفلسطينيين فيه، فيما تضاعفت الأزمة الإنسانية نتيجة الإجراءات التعسفية التي تتبعها سلطة رام الله ضد المواطنين، كذلك استمرار مصر في إغلاق المعبر الوحيد بين القطاع والأراضي الفلسطينية، ما أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن “أزمة إنسانية وأخلاقية كبيرة والمسببون كثر” وسط صمت دولي مطبق.
* عن موقع الوقت التحليلي

قد يعجبك ايضا