( فوائد شهر رمضان – 1)

 

الصيام ..
الصّوم لغةً هو الإمساك بشكل عام، أمّا في الاصطلاح الشرعيّ فالصّوم هو الإمساك عن المُفطرات كالأكل، والشرب، والجماع، بِنيّة التقرّب إلى الله عزّ وجل في زمن مُخصّص، وهو من طلوع فجر الشّمس وحتى غروبها. صوم رمضان يُعتبر الرّكن الرّابع من أركان الإسلام، والتي لا يصُحّ إسلام المرء دون الإيمان والعمل بها. فرض الله عزّ وجل فريضة صوم رمضان لأسرار وحِكَم مُعيّنة مُختلفة تعود بالنّفع على الفرد والمجتمع بشكل عام.
فوائد شهر رمضان ..
عندما فَرَض الله عزّ وجل فريضة الصّيام بأحكام مُعيّنة كان الهدف من ذلك تحقيق الهدف المرجوّ من هذه الفريضة؛ وهو بناء النَّفس وتنشئتها وإعداد قوامها كي تنهض بأمُّتها ودينها، وجعل الله عز وجل في الصّيام أهدافاً حيويّةً وغايات عميقة ترتبط وتتفاعل بوجدان وسلوك الصّائم. فيما يأتي نورد بإيجاز فوائد ومزايا عظيمة لصوم شهر رمضان المبارك .
أولا الجانب الروحي الوجدانيّ :
التقوى: يُعالج ويُقوّي الصّيام جانب التّقوى في نفوس ا
لمسلمين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، نستدل من هذه الآية الكريمة أنّ أوسع وأشمل هدف للصّيام هو تحقيق التّقوى في القلوب، وهي المُبتغى الأول من الصّيام، فالتقوى حارس للقلوب والجوارح من ارتكاب المعصية، ومُراقبة المرء لنفسه في سرّه وعلانيّته، ويظهر جليّاً دور الصّوم في تحقيق التّقوى من خلال التدرّب على الصّبر في مواجهة صعاب الحياة، ومن خلال مُراجعة النّفس وحسابها في هذه الدّورة الرمضانيّة، فيُراعي المسلم سلوكه ويستلهم رقابة الله له في كل الأوقات، وهذا أعظم مُربٍّ للنّفس.
الاستعلاء على الشّهوات البدنيّة والماديّة: تُحرّر فريضة الصّيام المُسلم من اتّباع غرائزه، وتُقوّي عنده الإرادة والتحكّم بها، فيسمو عن غيره من باقي الكائنات الحيّة، وتتغلّب روحه على شهواته، ويعلو بعقله وروحه، وهذا أيضاً مغزىً عظيم من فريضة الصّوم.
تقوية صلة الإنسان بربّه: يُدرك الإنسان نعم الله عزّ وجل عند أداء فريضة الصّوم، ويستشعر أهميتها وقيمتها، فيُدرك قيمة الشّبع وقيمة مطالب الجسد، فيستشعر المسلم نِعَم الله عزّ وجلّ عليه، كما اقتضت الحكمة الصّيام في النّهار لا في اللّيل حتى تتضاعف المشقّة والكفاح، بالتّالي يُدرك المسلم أكثر قيمة هذه النِّعَم المُحيطة به.
إظهار العبوديّة الكاملة لله عزّ وجل: صوم المسلم ترجمة عمليّة صادقة للخضوع لله عزّ وجل، فيترك الصّائم جميع المُحظورات المُتاحة بين يديْه، رغبةً في مرضاة الله عزّ وجل وكسب الثّواب، لهذا نسب الله عز وجل ثواب الصّوم إليْه: (كلُّ عَمَلِ ابنِ آدمَ لَه إلَّا الصَّومَ، فإنَّهُ لي وأَنا أجزي بِه، ولَخُلوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيبُ عندَ اللَّهِ من ريحِ المسكِ).
الصّوم يزيد الإخلاص: إنّ نيّة الصّوم هي شرط من شروط الصّيام وأساس لقبولها، والنّية الصّادقة للصّوم هي تدريب عمليّ للإخلاص بين العبد وربّه بعيداً عن الرّياء، فمعظم العبادات قد يُداخلها الرّياء إذا كان لها مظاهرَ خارجيّة كالزّكاة والصّلاة، أمّا الصّيام فلا يعلم حقيقته إلا الله، وبذلك تتحقّق التّقوى ومُراقبة الله عزّ وجلّ.
ثانيا تقوية الجانب الخُلقيّ والنفسيّ :
الصّوم يغرُس الأمانة في النّفس: الصّوم خير وسيلة لغرس وتنمية الأمانة، ومراقبة النّفس دون رقيب، فيتخلّى الصّائم عن شهواته وطعامه وشرابه دون وجود رقيب عليه، فيستحضر وجود الله له في كلّ الأوقات، قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ الصّومَ أمانةٌ فليحفظ أحدُكم أمانتَه) .
تدريب على الصّبر: الصّبر خُلْق مُكتسب، ويُعتبر الصّيام أحد العوامل التي تُنمّي خُلق الصّبر عند الصّائم، فعندما يتحمّل الصّائم الجوع والعطش ومَشاقّ الصّيام، يُصبح قادراً فيما بعد على تحمّل مصاعب أُخرى، ويملك أسباب التحدّي، والثّبات، والمُقاومة التي تُساعده في مواجهة الحياة بصبر وإيمان.
تزكية النّفس وتطهيرها: يُدرّب الصّيام النّفس على التحلية بالفضائل والأخلاق الحسنة، وترك الرّذائل والمُنكرات خِشيةً على تمام صيامه، قال عليه الصّلاة والسّلام: (من لم يدَع قولَ الزُّورِ، والعملَ بِهِ، فلَيسَ للَّهِ حاجةٌ أن يدعَ طعامَهُ وشرابَهُ).
ضبط النّفس والتحكّم بها: من فضائل الصّوم على النّفس البشريّة شحذ العزيمة، وتمكينها من كبح شهواتها والتحكّم بها، والتحرّر من عاداتها المُستحكِمة فيها، وضبط أعصابها في المواقف التي تستوجب ذلك، وإلّا لم يُحقّق الصّوم أحد أهدافه، قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : كلُّ عَملِ ابنِ آدمَ لَهُ إلَّا الصِّيامَ هوَ لي وأَنا أجزي بِهِ، الصِّيامُ جُنَّةٌ، فإذا كانَ يومُ صومِ أحدِكُم فلا يرفُثْ، ولا يصخَبْ، فإن شاتمَهُ أحدٌ أو قاتلَهُ، فليقل: إنِّي امرؤٌ صائمٌ، والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ، لخلوفُ فمِ الصَّائمِ أطيَبُ عندَ اللَّهِ من ريحِ المسكِ) .
وقاية الصّائم من الاضطراب النفسيّ: الصّوم يُبلّغ النّفس الطّمأنينة والأمان، ويُب
عد عن القلق والوسواس، عندما يشعر الصّائم بقربه من الله عزّ وجل.
وللحديث بقية .. أسال الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال .
فريدة عبدالحميد الحاذق

قد يعجبك ايضا