آل سعود في خدمة النصارى واليهود

 

أحمد سعيد مجلي

في فترة الاستعمار والتوسع استطاعت الدول الكبرى أن تبسط نفوذها على أغلب مناطق الشرق والعرب خاصة المناطق المهمة التي يوجد فيها ثروات كثيرة، أو جغرافياً مؤثرة أو منطقة تاريخية أو حضارية مهمة، فاستعمرت الدول الكبرى حتى الهند والصين، وظلت خاضعة للاستعمار فترة كبيرة من الزمن، وغيرها من البلدان الشرقية والغربية، وكان تركيز دول الاستعمار على بلاد الإسلام بشكل عام والعرب بشكل خاص فبدأ المستعمر يوضع الخطة لتفكيك الدولة العثمانية واستعمار البلدان التي ضعفت سلطة الدولة العثمانية عليها، وللأسف أسقطت أغلب البلدان العربية والإسلامية تحت وطئه الاستعمار الفرنسي والبريطاني والإيطالي والروسي سقوطاً مدوياً حتى استطاع المستعمر أن يؤثر على ثقافة هذه الشعوب وأخلاقها ولغتها وعاداتها وتقاليدها ولم يتبق خارج دائرة الاستعمار إلا مناطق محدودة تركت لاعتبارات خاصة، ومن هذه المناطق اليمن الشمالي التي كانت تحكمها المملكة المتوكلية ولم تترك هذه المنطقة إلا لما كانت تمتاز به من مقومات لم تكن موجودة عند غيرها من البلدان، عرفها العدو فعلم أنه لم ولن يستطع أن يحتل أو يستعمر هذا البلد وإذا حاول فإن الضريبة ستكون كبيرة والثمن باهظاً ففضّل العدو تركها لسببين رئيسيين؛ الأول: هو ما أثبتته الوقائع والأحداث عبر الزمن، وما كتبه التاريخ عن اليمن التي عرفت بأنها مقبرة للغزاة.
الثاني: يتمثل في احتضان هذه المنطقة لفكرٍ لا يوجد عند غيرها من المناطق وهو «مبدأ الخروج على الحاكم الظالم» و«مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» (فكر الإمام زيد عليه السلام) ولهذين السببين اضطر العدو أن يبقيها خارج دائرة الصراع لما يعرف من خطورة الاقتراب من عرين الأسد ولكنه ظل يترقب بعيداً ويخطط ويمكر حتى تحين الفرصة للانقضاض على هذا البلد.
أما المنطقة الثانية التي لم يدخلها المستعمر فهي: منطقة الحجاز، تركها العدو البريطاني لما يعلم من أهميتها وقداستها ومكانتها في نفوس أبناء المسلمين؛ فإذا دخلها غازياً ومحتلاً سيعتبرون ذلك انتهاكاً صارخاً واعتداءً مباشراً وتدنيساً للمقدسات الإسلامية، وأن غزوها واحتلالها سيحرك الكثير من أبناء المسلمين لمواجهة الغزاة المستعمرين، مع أن هذه المنطقة كانت من أهم أولويات خطط وأهداف العدو لما فيها من مقدسات يريد تدنيسها والتقليل من شأنها؛ ولما فيها من تراث إسلامي من بيوت النبي وأماكن تنقله ومناطق نزول الوحي وقبره صلى الله عليه وآله وسلم وبيوت أهل بيته وقبورهم، وكذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيرها وما يرتبط بها من أحداث تاريخية كبيرة فهو يريد محو كل هذا، ولكنه أدرك خطورة هذا العمل وتأثيره على نفوذه بل وحتى على وجوده فاضطر أن يبقى بعيداً حتى يأتي الوقت المناسب لذلك.
وقد حانت له الفرصة وتهيأت بعد ذلك ووجد الظرف المناسب فاستغله من خلال كيانين ناشئين فعقد اتفاقاً طويل الأمد مع حليفين مهمين الأول: أسرة آل سعود، والآخر: الكيان الصهيوني الذي أنشئ فيما بعد.
أبرم الاتفاق مع أسرة آل سعود وساندها ودعم حركتها وسلطتها واتفاقها مع آل الشيخ على إنشاء الكيان السعودي تحت مسمى ديني.
ومن هنا بدأ مشوار آل سعود في الولاء للنصارى واليهود، كان الولاء في بداية الأمر غير مباشر، فمن أجل تحقيق مآرب وأغراض وسياسات المملكة البريطانية المتحدة التي لم تستطع تحقيقها عبر فترة كبيرة من الاستعمار استغلت تحالف أسرة آل سعود وآل الشيخ تحت رداء الدين الإسلامي وحملهم لواء العقيدة ورفعهم راية التوحيد وتركيزهم على مبدأ محاربة البدع والشركيات وظهورهم بمظهر الحريص على الدين والحفاظ على سنة سيد المرسلين، وتحركهم تحت هذه اللافتات ، فساهم المستعمر البريطاني في مساعدتهم على إنشاء مشروعهم التدميري واستخدام دولتهم التي نشأت في ظل عوامل كثيرة منها: التفكك المجتمعي في تلك الفترة، وبعد مركز الدولة منهم، واستغلال الجهل، وضعف الثقافة الدينية خاصة أن المجتمعات التي اعتمدوا عليها مجتمعات بدوية فركزوا عليها وجعلوها رأس الحربة والقوة الضاربة فتحركوا بها لتوسيع نفوذهم وضرب المناوئين لهم ، وتصفية خصومهم تصفية عرقية كاملة فقتلوا أسراً بأكملها بل أبادوا قرى ومناطق كاملة في الدرعية، وفي القصيم ، والبحرين، والعراق، ونجد، والحجاز، ونجران، وغيرها من المناطق التي وصلوا إليها عبر مراحل توسعهم وأوغلوا في هدم المدارس والقباب وسووا قبور الصالحين بالأرض من أجل تغييب معالمها، لم يكتفوا بهذا بل وصل بهم الأمر إلى هدم بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبيوت أهل البيت والصحابة والتابعين، ووصل بهم الحد إلى التخطيط لهدم القبة الخضراء، وبعد أن نشروا فتاواهم بهذا الأمر لولا تدخل علماء الأمة على اختلاف طوائفهم.
فمن خلال هذه الأعمال التي قام بها الفكر الوهابي وأسرة آل سعود وصل اليهود والنصارى إلى أهدافهم في أرض الحجاز ونجد، وحققوا ما لم يكونوا يحلمون به ولا يطمحون إليه من القضا على من يشكلون خطراً أو سيشكلون حجر عثرةٍ أمام أهدافهم التي رأوا في الفكر الوهابي والنفوذ السعودي الوسيلة الناجحة لتحقيقها، فقتلوا مشائخ العشائر والشخصيات الاجتماعية والعلماء والنقاد وأحرقوا الكتب والمدارس وطمسوا المعالم التي تشير إلى المخالفين لهم من أبناء المذاهب الأخرى وهدموا الأضرحة والقباب وطمسوا معالم التاريخ وكل هذا كان تحت عباءة الدين وباسم الإيمان والعقيدة .
وانطبق على آل سعود والدولة الوهابية عبر تاريخهم المليء بالمجازر والجرائم تحت شعار الدين قول الله سبحانه وتعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِين ، يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُون ، فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُون ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُون ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُون ، وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُون ، اللَّـهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون، أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِين» [البقرة: 8- 16].
ومنذ نشأتهم ركز آل سعود وعلماء الوهابية على تفكيك النسيج الاجتماعي وزرع الفتنة المذهبية والطائفية من أجل إضعاف الشعوب العربية وكذلك الإسلامية لتبقى خاضعة تحت نفوذ وسطوة أسيادهم، وكانت سياساتهم وما زالت في خدمة اليهود والنصارى وموالاتهم وتنفيذ مخططاتهم وأهدافهم غير عابئين بكتاب الله وصريح قول الله في كتابه المبين «بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا»[النساء: 138، 139].
وهكذا كان آل سعود وما زالوا عبر مملكتهم ضد مصالح الأمة العربية والإسلامية يعملون ليل نهار على حرف مسار الأمة عن هدى الله وصرف نظرها عن أعدائها الحقيقيين أمريكا وإسرائيل إلى التنازع والعداء فيما بينها باسم الطائفية و المذهبية وغيرها ، وبدلاً من الإتجاه إلى مواجهة المشاريع الأمريكية والإسرائيلية اتجهوا إلى العمالة المباشرة مع اليهود والنصارى بل والطاعة المطلقة لهم؛ مع أن الله سبحانه وتعالى قد قال في محكم كتابه «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِين»[آل عمران:100].
وهكذا انطلقوا في محاربة القضايا العربية والإسلامية والقيام بالدور المباشر لمساندة إسرائيل وخدمتها فتآمروا على القضية الفلسطينية وسعوا إلى تجريد الفلسطينيين من السلاح وإخراجهم إلى مخيمات الشتات، والوقوف ضد كل من يدعم القضية الفلسطينية ومحاربته محاربته حرباً مباشرة، وكذلك الوقوف ضد من يحارب إسرائيل بل وصل الحال بالسعودية إلى أن تتبنى القرارات نيابة عن إسرائيل بتصنيف حركات المقاومة الفاعلة كحركات إرهابية، كل هذه الأعمال من أجل أن تحضى برضى أمريكا وإسرائيل وكأنها تريد أن تقول بأنها لا زالت كما عهدوها وأنها مستعدة أن تقدم مزيداً من الخدمات حتى لا يبحث اليهود والنصارى عن غيرها، كل ذلك تحت مظلة الدين، وهم يقرأون القرآن ولا يفهمون قول رب العالمين «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِين»[المائدة: 51، 52].
بل وصل الأمر بآل سعود ومملكتهم إلى أن يبحثوا عن المهددات ومكامن الخطر لدى الأعداء فيسارعون نيابة عنهم لمواجهتها لأنهم يعتبرونها مهددات لكيانهم ووجودهم وبقائهم فاتجهوا لتدمير العراق وسوريا، وكذلك ليبيا، كل ذلك خدمة لليهود، ومع هذا كله كانوا وما زالوا كلما شعروا أن اليهود والنصارى لا زالوا غير راضين عنهم يبحثون عن خدمةٍ تليق بعمالتهم.
وعندما تحرك الشعب اليمني في ثورته الشعبية والخروج على عملاء الخارج استشعر العدو الإسرائيلي الخطر من صحوة شعبية عالية ووعي جماهيري متنامي بدأ يصرح ويفصح عما يخالجه من خوفٍ وقلق مما شاهد من إنجازات ميدانية متتالية من كتاف إلى عمران إلى أرحب إلى البيضاء ، فلما وصل أبطال الجيش واللجان إلى عدن جنَّ جنون العدو وفقد صوابه لأنه رأى أناساً يملكون قرارهم بأيديهم ويسعون لاسترجاع كامل سيادتهم ويرفضون أملاءات الخارج ويرفعون مبدأ العداء لدول الاستكبار من النصارى واليهود.
فسارع العدو لاستدعاء عملائه في المنطقة وأدواته في الإقليم وعلى رأسهم آل سعود للإسراع في تنفيذ الخطة وإعلان العدوان على الشعب اليمني فاستجابت السعودية لأسيادها بإعلان العدوان على أبناء اليمن تحت شعارات زائفة «محاربة المد الفارسي» و«الدفاع عن العروبية الإسلامية»، و«الدفاع عن المقدسات الإسلامية»، ومنها «إعادة الشرعية»؛ وكل هذه الإدعاءات الزائفة والكاذبة التي لم يقبلها عاقل فبدأت مملكة الشر بتنفيذ عملياتها الإجرامية تحت مسمى «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» وعلى مدى عامين كاملين ومملكة الشر تقتل الأطفال والنساء والصغار والكبار، تستهدف المدنيين الأمنيين تدمر الطرقات والجسور، تضرب الأسواق والأحياء السكنية، تقصف المستشفيات بما فيها من الأمراض والأطباء، ترسل صواريخ حقدها على المساجد بما فيها من المصلين، وتحرك أدواتها في الداخل للقيام بما عجزت عنه طائراتها، فيقوم العملاء في الداخل بزرع المفخخات والعبوات الناسفة وتجهيز الانتحاريين وكل أعمال العملاء كانت تتركز على استهداف أبرز الشخصيات الدينية والاجتماعية والوطنية.
وللأسف وصلت الوقاحة بمملكة الشر وحلفائها من دويلات الخليج إلى المجاهرة الحقيقية بالعمالة الصريحة، والتطبيع المباشر مع اليهود والتنسيق المشترك في كل أعمالهم، وتجلت وظهرت تلك العمالة في «رقصة المنامة» والزيارات المتكررة والتصريحات المتواصلة من بعض رجال العمالة السعودية والإماراتية أمثال أنور عشقي وضاحي خلفان وغيرهم.

قد يعجبك ايضا