من محطات الحياة .. ” ليال عشر “

 

محمد أحمد المؤيد
بعيدا عن السياسة والسياسيين وعن صخب الحياة ورونقها , يجدر بالإنسان أن يعي (خلاصة/هدفه / وجهته) في الحياة وما الذي ينتظره في كل منحى من مناحي الحياة , لأن الحياة لو تأملنا وتدبرنا ملياً لوجدنا أنها تمضي بنا بانسياب تام ومتقن إلى المستقبل الذي أراده الله لنا والذي لاشك أن الموت هو المصير الحتمي لكل من في هذا الوجود، قال تعالى : ” كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ” وقال جل شأنه : ” وإنك ميت وإنهم ميتون ” صدق الله العظيم.
أي أن مصير من تعمر السنين هو الموت كمستقبل حتمي يقودنا إلى المستقبل الأبدي إما الجنة أو النار ” ونسأل الله الجنة ونعوذ به من النار ومن غضب الجبار ” .
غير أن هناك قبل الموت ومغادرة هذه الزائلة شيئاً اسمه ” عمر ” والذي أعطاه الله لكل كائن في هذه المعمورة وبتفاوت من كائن إلى كائن ومن دابة إلى دابة فالعمر الافتراضي للذباب لا يتعدى الأسبوع في أحسن الأحوال والغنم والماعز لا يتعدى العشر السنوات كما هو الجمل من السبعين إلى الثمانين عاماً وكذا الإنسان وهو المستخلف في الأرض لا يتعدى المائة والخمسين عاماً، وهي كحالة نادرة وخاصة في هذا العصر وهذه الأمة الذي قال فيها رسول الله محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه بما معنى الحديث ” أعمار أمتي مابين الستين إلى السبعين ” صدق رسول الله .
وهذا شيء يدعونا إلى الوقوف عنده بشكل أكثر جدية من المواضيع الحياتية الأخرى , كون العمر هو ذلك الكم الهائل من الساعات والدقائق والثواني أو الأيام والليالي والشهور والسنين التي تمضي بالإنسان على هذه المعمورة وهو حي يرزق , وهذا شيء يجعل من الإنسان كتلة من الزمن الذي يبدأ من الصفر وينتهي عند زمن معين ومحسوب بدقة من رب الكون سبحانه قال تعالى : ” وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ ” وقال سبحانه جل شأنه : ” وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً ” صدق الله العظيم , وكتاب الزمن المؤجل (العمر) للإنسان هو من سيفتح صحائف يوم القيامة ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة فيه إلا ما رحم الله.
لذا ومن هذا المنطلق فعمر الإنسان مهما طال أو قصر تتخلله مواقف ولحظات مهمة وغير مهمة , فغير المهمة هي تلك الأوقات والمواقف التي تمضي بنا مع روتين الحياة ولا تبدو في أهمية قصوى من الحياة , كونها لحظات حياتية عابرة , ولكنها تبقى مهمة إلا أن الغفلة هي من تجعل من هذا الوقت غير مهم , واللحظات والمواقف المهمة هي أوقات ومواقف ولحظات شأنها شأن بقية الزمن أو العمر إلا أنها تبدو كمحطات حياتية تختلج بين ثنايا عمر وزمن الإنسان كمحطات تذكيرية له بين الفينة والأخرى من العمر , فدخول سنة وخروج أخرى تعتبر محطة، والجمعة إلى الجمعة محطة أسبوعية ورمضان إلى رمضان محطة سنوية، والصلاة إلى الصلاة محطة يومية زمنية، والعرس أو الزواج محطة في الحياة والحصول على طفل أو طفلة محطة من محطات الحياة، والعيد إلى العيد محطة من محطات الحياة وكل محطة من العمر لها قيمتها وشأنها في حياة الإنسان.
وكل محطة يمر بها الإنسان ويحط رحاله فيها تدل على حالة أسمها ” العمر يمضي ” فمع اجتياز الشخص محطة عمرية في حياته فهو يجتاز مرحلة من عمره وزمنه الافتراضي على هذه الفانية , ولذا فكل محطة من محطات الحياة لها أهميتها القصوى التي لا ينبغي لكل فطن وواعٍ أن يجعلها تمر من حياته مرور الكرام , كون محطة وصلت إليَّ من العمر يعني أن هذه المحطة جاءت لتذكرني بأن حياتي إلى زوال وعمري إلى فناء .. وهذا ما لا ينبغي أن يمر عليَّ مرور الكرام .. فيجب عليَّ أن أقف مع نفسي وقفة صدق وجد .. فأحاسبها وأربيها .. وأستفيد من مواقفها وحسناتها وزلاتها , وهذا شيء لابد منه قبل أن يصير الإنسان إلى قوله تعالى: ” قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ”
” صدق الله العظيم.
حري بالإنسان أن يعي معنى حقيقة محطات كهذه من محطات الحياة , والتي يدخل من ضمنها هذه الليالي العشر التي أقسم بها الله في كتابه قال تعالى : ” والفجر وليال عشر ” صدق الله العظيم , والله لا يقسم إلا بعظيم وهو العلي العظيم , وهذا دليل على عظمة هذه الأيام عند الله وحرمتها كون الحجيج قد لبوا نداء الله وذهبوا ملبين وموحدين ومتأسين بسنة نبينا محمد (ص) واقتداء بنهج أبينا إبراهيم عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى السلام , هذا وقد ورد حديث شريف عن رسول الله صلوت ربي وسلامه عليه وآله وصحبه ” لا يوجد أعمال أحب إلى الله يقوم بها المؤمن كما هي في هذه العشر فقالوا : ولا الجهاد في سبيل الله , فقال (ص) ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل ذهب مجاهداً بماله ونفسه ولم يرجع منهما بشيء ” صدق رسول الله .
لذا فمحطة روحانية كهذه لا شك تذكرنا بمضي أعمارنا والتي كم نحن بحاجة ماسة للتزود بالطاعات أياً كان نوعها وشأنها , والتي أفضلها الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس , وهو ما نحتاجه فعلاً لتزويد الجبهات بالرجال والذود عن الدين والوطن وخاصة والعدوان (السعوأمريكي) قد لطخ يده الآثمة بدماء الأبرياء وآخرها جريمة ضحيان بحق أطفال ” وهنيئاً لهم الشهادة ” , وكذا الصوم فهو من أعظم الأعمال عند الله في هذه الأيام والليالي المباركات , وخاصة صيام يوم عرفات والذي قال فيه (ص) بمعنى الحديث ” أعهد إلى ربي أن يكفر سنة ماضية وسنة آتية ” صدق رسول الله .
كما وقد أجمع العلماء الأجلاء أن كل الأعمال الخيرة في هذه الأيام والليالي المباركات لها شأنها وأهميتها , فليس الأمر مقصوراً على الصيام , بل يحبب الإكثار من قيام الليل والتهجد والاستغفار , وكذا الإكثار من الصدقات والمعونات والمساعدات، حتى ولو بالكلمة ولو بالنصيحة، ولو بكف الأذى عن الناس، أو من خلال محاولة بث التفاؤل والاستبشار بين الناس ولو حتى بالابتسامة، ورفع الأذى عن الطريق، وكلها أعمال يحبذ القيام بها طيلة هذه الأيام والليالي المباركات.. قال تعالى : ” وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ” صدق الله العظيم.. وكذا التكبير والاستمرار باللهج في يوم عرفة بالقول: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ” … والله أعلم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
..ولله عاقبة الأمور.

قد يعجبك ايضا