الذكرى الـ 41 لرحيل المفكر والمناضل باذيب ..

> أسرار ووقائع علاقات التحالف ضد المحتل بين الإمام احمد والشيوعين بتعز ضد الاحتلال 58م (1)

عبدالجبار الحاج

من الاستثناء النادر والشحيح في حوادث التاريخ ان تعود الوقائع بامثلة تعيد للتاريخ وجهه المشرق ولست هنا بصدد مقولة ماركس بان التاريخ يعيد نفسه في الأولى على شكل مأساة وفي الثانية مهزلة فتلك إحدى قوانين ماركس في رفض التسليم بإعادة انتاج التاريخ وفق تلك المقولة فمقولتي تحمل دلالة خاصة على حادثتين في التاريخ اليمني …
فلئن كانت تعز في عهد ولاية الأمام احمد هي من احتضنت القائد القادم من الجنوب اليمني الواقع تحت نير الاحتلال البريطاني المناضل والثوري الشيوعي اليمني عبدالله باذيب وآخرين من رفاقه ليستأنف فعل الحركة الوطنية المتصاعدة ضد المستعمر الأجنبي في أطوار مرحلة نضالية أخذت إذاك تتحضر لانتقال من النضال الجماهيري العفوي إلى أطواره المنظمة والفاعلة ..
ومن طور كانت فيه السياسة المرتهنة تمارس الخيانة المقنعة بترويج فكرة ان العمل السياسي السلمي وحده هو السبيل إلى الاستقلال من الاحتلال ..
ولئن كان سطح السياسة لا يزال يطفو بهذه النظرة المائعة للاحتلال فإن اللقاء التاريخي الذي جمع بين الإمام احمد الذي اتبع في مواجهة الانجليز سياسة وطنية معادية للاستعمار كانت تعز وهي تكتظ انذاك بتعاظم شان حركة التحرر الوطني وتتلاقى من مشارب فكرية شتى وان كانت حركة القوميين العرب هي الأبرز وفي المقابل اخذ الاهتمام الامريكي يتزايد على هذه المدينة ليجد لنفسه موقعا لمحاربة المد التحرري من خلال النقطة الرابعة ..
فكانت تعز تتهيأ للحظة اجتماع يمني يقف على أرضية الجامع الوطني ضد المستعمر فكان تلاقي الأهداف هو الجامع بين الإمام احمد وبين القائد اليمني الجنوبي السياسي والصحفي باذيب على صيغة كانا كلاهما تواقان لمثلها ..
أسفر اللقاء بين الاثنين إلى اتفاق في القضية الوطنية اليمنية والاثنان كانا على ادراك بان قضايا خلافية كانت تعد في لحظتها تلك ثانوية ومؤجلة وأجلت ولكن لم تلغ . . لأن الرئيسي في لحظتتها تلك تهيئة وتسخين وتسريع العمل الوطني ضد المستعمر من خلال خوض معركة يمنية أجمعت على النضال التحرري نحو استقلال ووحدة اليمن عموما .
إلى هنا كانت ماركسية باذيب تقدم الخيار الوطني ضد المحتل وتؤجل ما عداه إلى أوانه وكان الأمام قد وجد بغيته هو الآخر في باذيب سندا وأساسا للفعل اليمني الواحد ضد المحتل ..
ثم ان ابرز تجليات الاستثناء في أحداث التاريخ ان تكون صنعاء عام 2018 هي من تحتفي بذكرى رحيل المناضل باذيب في ظروف من التاريخ مماثلة اذ يواجه اليمن واليمنيون اليوم ظرفا تاريخيا يمنيا يضع المستقبل ويرهنه بتلاق مماثل في لحظة اجتماع وطني وشعبي يمهد لجبهة وطنية يمنية واحدة ضدا من العدوان وتجذيرا للكفاح المسلح والمقاومة الوطنية في عموم اليمن ضد تحالف العدوان واحتلاله حتى التحرير الشامل والاستقلال ..
ان تعلو اليوم صور القائد الراحل باذيب في صنعاء وعلى جدار بيت الثقافة ذات الشعارات التي عنونت توجهات تجربة اليمن الديمقراطي جنوبا وداخل قاعة تقع جوار القصر الجمهوري الذي اعتلته رؤوس ناصبت التجربة الثورية جنوبا وللأسف في ظل راية الجمهورية ناصبت الثورة والرجل العداء وشنت نيابة عن آل سعود ثلاثة حروب في 69 و72 و79 لئن ترتفع صورته ونجمته في سماء لهو أمر عظيم وذو دلالة اذا ما قارناه بساحة أخرى وقاعة أخرى كان يجب ان تحتفي عدن التي هي مسقط رأسه احتفاء بأحد رموز اليمن الكبار فالاحتفاء شرف للمحتفي وليس العكس .
وبسؤال هل كانت عدن لتحتفي اليوم بإبنها ورمزها العظيم ..هذا تماما ما اقصده بحادثة أخرى من التاريخ تجعل من مدن اليمن تتناوب على دور هو دور الشعب اليمني ورموزه المحبوبين. ..
حين كانت صنعاء تشح عن دور من ادوار الشرف هذه ليس بكونها صنعاء ولكن بفعل حكوماتها المتنكرة والمرتهنة فقد كانت تعز هي من تلقفت واحتضنت ودفعت بالفكرة حيز التنفيذ وحين تتخلف عدن او تعز اليوم عن هذا الفعل ليس بكونهما تعز وعدن وثقافة سكانهما ولكن لوقوعهما في لحظة تاريخية عابرة حتما محكومة بقرار تابع ومرتهن لذات العدو ..
..
أنها الإرادة الشعبية اليمنية من اي جهة او ساحة أتت مادامت هي تعبيرات الضمير الوطني وبماهي فعل يمني في جوهر الإرادة والمراد. .. إرادة تستلهم التاريخ وتقدمه خلاصات نضال وتاريخ و تراث اليمنيين. ..
صادف يوم أمس الـ16من أغسطس من هذا العام الذكرى الـ 41 لرحيل المناضل الوطني والتقدمي وأحد ابرز قادة مسيرة الحركة الوطنية والثورية اليمنية .. وللرجل تجربة فريدة وغنية في مجالات شتى فالي جانب كونه سياسياً ومفكراً ماركسياً فهو الصحفي والسياسي والقائد في أدائه ونضاله اليومي انذاك .
لم تمنعه ظروف شظف العيش والتي حالت دون أكمال تعليمه الثانوي الا من ان تكون محطة انطلاق هذا العملاق ..
في هذه الـ ذكرى رأيت لزاما عليّ ان أدلي بدلوي إنصافا وإظهارا لتاريخ قامة فكرية وسياسية يمنية ربما كثيرون من هذا الجيل لا يعرفون عنه.
وكنت قد تناولت جانباً من تجربة المناضل باذيب في شمال الوطن في ظل عهد حكم الأمام احمد وهي الفترة التي كان فيها الجنوب واقعا تحت الاستعمار وقدم منها باذيب حاملا معه تجربة ثرية وإرادة لا تحد في النضال وعد الرجل بحق في مصاف القلائل بل لربما الأول من القادة الذين يفرزون الصراع ويفصلون بين ما هو صراع ضد المستبد الأجنبي مؤثرا التحالف والاتفاق مع المستبد الوطني ضد المحتل الأجنبي ..و بين الموضوعي والذاتي وبين الصراع الثانوي في لحظة ما مع الصراع الرئيسي بحيث يغدو الصراع الرئيسي في تلك اللحظة مع الاحتلال الأجنبي ويحتل الصراع اللاحق مع المستبد الوطني دوره الرئيسي وهو ما حصل. .
تؤكد الرسائل والوثائق الصادرة عن باذيب نفسه ان ذلك وافق من رؤى تفكير الأمام و قد كان رد الأمام على طلب باذيب الذي تضمن بندين رئيسين في منحه فضاء سياسياً في عنوانه الأول السماح بتشكيل مكتب سياسي والثاني في تمكينه من مجال صحفي بسقف لا يحد بإصدار صحيفة في تعز ..فكان من الأمام ان رحب بالأمر بارتياح كبير ومن فوره اصدر أمره وأمر بكل ما يحتاجه من إمكانيات أمنت سبل إصدار الصحيفة .فكانت صحيفة الطليعة بموقفها وسقفها ورؤاها التقدمية . بل كانت منبرا من منابر الماركسيين اليمنيين والشيوعيين الأوائل في اليمن ….
كنت قد تناولت في مقالات عدة جوانب من تجربة باذيب وتناولت في مقالات عدة وأشرت فيها إلى تجربة الرجل في سنوات هي من أهم محطات التجربة الثرية والغنية في الفهم والتطبيق الخلاق والعميق للمفاهيم ويمننتها بأفكار وبممارسات انتجت بحق خصوصية وتجارب يمنية للنص .. ذلك ان باذيب لم يكن من ذلك النمط الماركسي الذي يسقط في عموميات النصوص الماركسية وتجميدها في اتون الصنميات القاتلة للإبداع او اللينينية الا بكونه هو من ينتج النص النابت من تربة يمنية ويرويه وينميه بمياه وسماد و بأدوات يمنية محضة ..
في المحاضرة التي ألقاها الأستاذ ياسين ناشر في فعالية بيت الثقافة بصنعاء المكرسة لإحياء الذكرى لـ 41 لرحيل المناضل الوطني اليمني والمفكر و السياسي الفقيد عبدالله عبد الرزاق باذيب .قدم ياسين جوانب من حياة الفقيد ما يجعلني ان أقول بيقين بانها صفحات وأسرار وحقائق ووثائق رأت النور لتوها بفضل ذاكرة وأرشيف وبحكم تجربة حياتية معاشة لعقود من علاقة رفاقية جمعت بين باذيب وياسين . ذلك ان ما عندي لا يتعدى حدود ما قرأت للراحل عنه ومنه.
وهو ما سأعود إليه فيما سأكتب بتناولات ومقالات قادمة مستشهدا بما جادت وتجود به ذاكرة رفيقي ياسين وأرشيفه المحفوظ فوق ما هو إخلاصه لفكر باذيب ووفائه لشخصه وهو ..
سأعود في هذه التناولة إلى تعز ولماذا كانت محطة باذيب في النزوح أو اللجوء .. فالاختيار لم يكن مجرد ملاذ اضطراري بل اختيار واع للمكان والزمان والظرف والمرحلة ونقطة انطلاق إلى عواصم عالمية وعربية …
للمناضل باذيب تجربته الغنية في مجالات وقضايا في الثورة والكفاح المسلح والاستقلال والحريات والديمقراطية وفي العدالة الاجتماعية وفي التاميم وله في الإصلاح الزراعي برامجه وفي كل هذه المجالات رؤى وبرامج متبلورة ومطروحة للنقاش والتبني وصياغات وإعادة صياغة سأتناولها بمقالي التالي …..

قد يعجبك ايضا