الغزاة و زمن الأقيال

 

محمد ناجي أحمد
لم تكن الحملات الإعلامية، والنشاط في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تمجد رمزية ( الأقيال ) كإحالة سياسية على مرحلة تاريخية –لم تكن حملات عفوية ، أو نشاطاً بريئاً من المحمولات والأهداف الاستعمارية ، أثناء العدوان والغزو الأمريكي البريطاني الصهيوني على اليمن بأدوات ومال خليجي ، وعلى رأسها السعودية والإمارات . لقد تم توظيف هذه الحملات في اللحظة التي أراد منها الغزاة تجذير حالة التفكك عرقيا وجهويا وطائفيا، فالأقيال في اليمن كانوا حكاما لجهات ومناطق محلية، أي أنهم ظهروا في فترات ضعف اليمن وسقوط الدولة المركزية القوية. فتحول هؤلاء الأقيال إلى حكام مستقلين، بعد أن كانوا موظفين تابعين للدولة، ثم أسهموا في تفكيك اليمن، وحينها ظهر مصطلح (قيل ) وجمعها ( أقيال ) وذلك مع بداية القرن الميلادي الأول أو قريبا منه ، بل إن الأقيال لم يظهروا في بعض المناطق اليمنية ك(صعدة ) إلاَّ في القرن الثالث الميلادي .
من هنا نفهم دلالة ظهور جماعة ( الأقيال ) التي نشطت في مواقع التواصل الاجتماعي ، مناديه بالعودة إلى زمن الأقيال مع الحرب في اليمن وعلى اليمن عام 2015م ، وإن كان تواجد هذه الظاهرة قد بدأ على استحياء مع انتخابات 2006م ، ثم أطلت برأسها ك (قومية ) مع أحداث 11فبراير 2011م ، وما تلاها من السنين .
الانتقاء التاريخي لمرحلة الضعف في مواجهة أهداف الوحدة والدولة اليمنية الواحدة والوحدوية كان من حيث التوقيت واللغة جزءاً من الحرب الناعمة المرادفة للحرب الصلبة، فالصواريخ التي تقصف الأذهان موازية لتلك التي تقصف البنية التحتية والإنسان في اليمن.
الأقيال جمع قيل بمعنى المتكلم، وجاء في المعاجم العربية الشمالية أن المقول هو المقيل بلغة اليمن، وهو أقل من الملك، وأحدهم (قيل ) يكون ملكا على قومه ومخلافه ومحجره ، وقد سمي قيلا لأنه إذا قال قولا نفذ قوله. ص165-الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في اليمن القديم –جواد مطر الحمد –ط1-2002-دار الثقافة العربية، الشارقة.
في كتابه سابق الذكر يرى (جواد مطر) أن القيل موظف رسمي له أراض واسعة يديرها، وأتباع عليها يحكمهم، وكانت له حصون وقصور غنية ، ولكل حصن من تلك الحصون تسمية خاصة ، كذلك يقوم بتنفيذ واجباته الإدارية بدور الحاكم على وجه الخصوص ، فهي إذن وظيفة رفيعة المستوى ، ويمكن أن يطلق على القيل ب ” الأمير ” لأنه من أقارب الملك ، ثم إن وظيفته وراثية . ص165.
مصطلح (قيل، وأقيال) عُرِف متأخرا، قريبا من العهد الميلادي، ولم يكن يعرف في نقوش اليمن القديمة، فالمعروف قديما لفظة (مرا) وتعني السيد. ص166.
كثر ذكر الأقيال في النقوش التي تعود إلى عهد الاحتلال الحبشي، فكان منهم من انتفض ضد الاحتلال، ومنهم من وقف إلى جانب أبرهة، وهذا طبيعي فالأقيال تعبير عن التشرذم ، وغياب الدولة المركزية القوية ، وكانت قوة الأقيال وتحولهم إلى حكام البلاد الحقيقيين في القرنين الخامس والسادس الميلاديين ، فكلما ضعفت الدولة المركزية قويت شوكة الأقيال . ص68-69 المرجع السابق.
يصور نقش النصر الحملات العسكرية الوحدوية لليمن بقيادة (كرب آل) (610م) وقد أحدث المنجز الوحدوي الذي قام به ( كرب آل) في ضمه الأراضي المستولى عليها للدولة ، وجود أراض تابعة للأفراد والأمراء والقادة ، وأراض تابعة للمعبد ، وقد يشتري الشيخ الأرض باسم القبيلة مع توضيح حدودها والالتزامات المترتبة على ذلك التملك تجاه الدولة . وقد أحدث هذا التطور في الملكية للأراضي الزراعية ضعف الترابط القبلي لصالح الدولة ، فقد تقدم أرباب الأسر إلى المناصب الاجتماعية والسياسية . ص335. وعمل هذا المنجز الوحدوي ؛ أي قيام الدولة المركزية القوية ،على تطور التجارة في اليمن ،ف” لم تكن التجارة في اليمن مثل نظيراتها في الشمال مجرد تجارة مرور ( ترانزيت ) تعتمد على بقاء الخطوط التجارية ، وتختل إذا أصاب هذه الخطوط أي تغيير أو تعديل في مسارها ، وإنما هي تجارة أصيلة ، الجزء الأكبر من مقوماتها أو مواردها الأولية موجودة في البلاد ، كما أن موقعها عند ملتقى البحر الأحمر والمحيط الهندي يعطيها ميزة مضاعفة في مجال الطرق التجارية ، فالطريقان البري والبحري يمران فيها ، فإذا قوي أحدهما على حساب الآخر فإن هذا لا يدفع بها إلى خارج الحركة التجارية ، وإنما تظل منتفعة بها في كل الأحوال ” ص423. المرجع السابق.
الاستعمار الجديد كالاستعمار القديم إن أراد أن يسيطر على العالم وتجارته كانت عدن وسقطرى وباب المندب أهدافا رئيسية في رغباته الاستعمارية. فقد كانت الحملة الرومانية على اليمن بقيادة إيليوس جاليوس في عام 25-24 ق.م ، حين كان واليا للرومان على مصر ، غرضها السيطرة على مضيق باب المندب وسقطرى وعدن ، ولم تكن حملته التي كسرت في مارب سوى من أجل ضرب أية ممانعة لأهدافه الاستعمارية ، والسيطرة على تجارة أفريقية والهند .
في كل استعمار قديم أو حديث أو معاصر تكون عدن وسقطرى وباب المندب في مقدمة الأهداف الاستعمارية ، وأما ميناء الحديدة الذي يراد احتلاله منذ سنتين ،فالغرض العسكري منه هو خنق أية مواجهة وطنية للمشروع الاستعماري في البحر الأحمر والبحر العربي .

قد يعجبك ايضا