” الوفد القادم من الرياض ” الصفة التي أسقطت ” القناع اليماني “

 

*اليمنيون والرعاية السويدية.. من ” النقطة الرابعة ” في تعز إلى ” النقطة الخامسة ” في ستوكهولم

عباس السيد

في الخامس من ديسمبر 2018م أقلعت طائرة كويتية من مطار صنعاء صوب ستوكهولم وعلى متنها الوفد الوطني للمفاوضات بصحبة المبعوث الأممي مارتن جريفيث . وقبلها بيوم كانت طائرة عمانية قد أقلعت صوب مسقط ، تقل عشرات من جرحى الجيش واللجان الشعبية للعلاج . وبذلك، حقق الوفد الوطني والديبلوماسية اليمنية انتصارا سياسيا وإنسانيا في آن على تحالف العدوان الذي رضخ أخيرا لمطالب الوفد الوطني بتأمين سفره وعودته، ونقل الجرحى لتلقي العلاج في الخارج، وهي المطالب التي رفضها التحالف من قبل، وكان ذلك سببا لتعثر انعقاد مشاورات جنيف في سبتمبر الماضي.
وكان مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث قد التقى بالسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في إطار زيارته لليمن تمهيدا لمشاورات السويد. وجرى في اللقاء مناقشة السبل الكفيلة بإنجاح المشاورات المرتقبة، بالإضافة إلى الضمانات بسفر الوفد المفاوض وعودته، ونقل الجرحى والمرضى للعلاج في الخارج. وجدد السيد عبدالملك تأكيد مواقفه الداعمة لإنجاح المفاوضات وصولا إلى تسوية سياسية تنهي العدوان والحصار وتكفل وحدة اليمن واستقراره واستقلاله، وحث الأمم المتحدة على التوازن والحياد في أدائها وسعيها لإيجاد حل سياسي شامل. وكان ذلك هو اللقاء الثاني للمبعوث الأممي مارتن غريفيث بالسيد عبدالملك الحوثي .
أوراق القوة
سافر الوفد الوطني إلى السويد ، وهو يمتلك العديد من الأوراق التي تكسبه منطق الحجة ، وقوة الموقف ، ومن أبرز تلك الأوراق :
ـ الثقة الممنوحة له من ملايين اليمنيين ودعمهم لرؤى قيادة الثورة والمجلس السياسي في المعركة السياسية كما هو استعدادهم الدائم لرفد المعركة العسكرية .
ـ الاطمئنان إلى ثبات الأبطال من أبناء الجيش واللجان الشعبية واستمرار صمودهم وتصديهم لقوى العدوان ومرتزقتها، مهما كان حجم وإمكانات تلك القوى .
ـ الورقة الثالثة تتمثل في عدالة القضية التي يدافع من أجلها، وهي دفع العدوان وإنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقرار والسيادة لليمنيين على أرضهم . وهي حقوق تكفلها كل المواثيق والأعراف الدولية والإنسانية والشرائع السماوية .
ـ ويكفي الطرف الآخر عارا، أن يُعرف بـ ” الوفد القادم من الرياض ” .
” الوفد القادم من الرياض ” حضر إلى السويد متحللا من أي التزام وطني أو أخلاقي أو إنساني. وهو جزء من الحكومة التي وصفها السفير السابق في اليمن في لقاء مع قناة ” فرانس 24 ” بأنها مجرد قناع للسعودية والإمارات.
حضر وفد ” الرياض ” دون أن يحمل مواقف واضحة أو خططا ولا قوائم أو أوراقاً، باستثناء الأوراق المالية. وعندما طلب منه تقديم كشوفات بأسماء الأسرى الذي يحاربون تحت لوائه، تمتم وهمم، وماطل، ثم لجأ إلى الفيسبوك والواتساب لملء قوائم بالأسرى المفترضين.

الفريقان في ” النقطة الخامسة ”
في قلعة ” جوهانسبيرغ ” التاريخية بضواحي العاصمة السويدية ستوكهولم، انطلقت الخميس 6 ديسمبر 2018، جولة المشاورات اليمنية بين الوفد الوطني القادم من صنعاء ، والوفد القادم من الرياض برعاية الأمم المتحدة .
وفي الجلسة الافتتاحية رحبت وزيرة الخارجية السويدية بالوفدين، . وقالت:” بلادنا باردة ، لكن قلوبنا دافئة ” مؤكدة استعداد السويد لتقديم الدعم لإنجاح هذه المشاورات من اجل الوصول لتحقيق السلام والاستقرار في اليمن .
الرعاية السويدية للمشاورات كانت محل إعجاب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي قال في مؤتمر صحفي في ختام المشاورات: ” لقد كان السويديون يعرفون ماذا يفعلون “. يبدو الأمين العام متعجبا من الأداء السويدي المتميز ، لكن ربما يزول تعجبه لو أنه يعلم بالخبرة السويدية الطويلة في معالجة اليمنيين . هذه الحقيقة لا يعرفها إلا الذين يعرفون ” النقطة الرابعة ” في مدينة تعز ، ودورها في تقديم الرعاية الطبية للأطفال والأمهات منذ عقود .
في ” النقطة الرابعة ” اكتسب السويدون خبرة طويلة في التعامل مع اليمنيين، وكان تشخيصهم وعلاجهم لأمراض الأطفال والأمهات بشهادة الكثيرين ” ما فيش بعده ” . ولذلك، كان البعض من اليمنيين يتطلعون إلى قلعة جوهانسبرج السويدية التي احتضنت جولة المفاوضات وكأنها ” النقطة الخامسة ” ويأملون أن تنجح في علاج الأمراض السياسية عند الرجال، كما تفعل ” النقطة الرابعة ” في تعز مع الأطفال.

هناك أمل ولكن !
عضو الوفد الوطني اليمني المفاوض عبدالملك العجري قال لدى وصول الوفد إلى السويد : لدينا بارقة أمل أن نخطو خلال هذه المشاورات بخطوات جدية عملية في ما يتعلق بالملف الانساني والملف الاقتصادي ، رغم شعورنا بعدم وجود نوايا حقيقية من قبل السعودية والوفد الموالي لها لحلحلة الملفات السياسية العالقة .
وأكد العجري في تصريح لقناة العالم “الوفد الوطني اليمني، حضر محادثات السويد ليثبت للعالم أننا فعلاً دعاة سلام شريطة أن يحافظ السلام على استقلال القرار اليمني. فتضحيات اليمنيين في الـ4 سنوات الماضية كلها كانت من أجل تحقيق هذا الاستقلال.”
وشدد على ضرورة استثمار الإجماع الدولي الرافض لاستمرار العدوان على اليمن بالضغط على السعودية ووفدها للانصياع إلى مطالب الشعب اليمني وإيقاف العدوان على اليمن.
واعتبر التوافق حول ملف الأسرى خطوة مهمة للحد من معاناة الأسرى لدى الطرفين. واعتبر العجري حضور الوفد الوطني اليمني إلى محادثات السويد، بادرة حسن نية لإنهاء الحرب في اليمن، فيما يصر العدوان السعودي على التصعيد العسكري والاقتصادي هذا ما يدل على افتقارهم للجدية في إنهاء العدوان على اليمن.

.. وهناك فرق
كانت تحركات وتصريحات الوفدين تعكس الفرق بين الوفد القادم من صنعاء وذلك الآتي من الرياض، فالفريق الوطني المفاوض كان متماسكا بشكل غير مسبوق وكانت ملفتة نوعية التقدم والخبرة التفاوضية التي حصل عليها بعد مؤتمر جنيف عام 2015 ومؤتمر الكويت عام 2017، فقد احضر الفريق الوطني خططا متكاملة وجاهزة لكل المسائل المطروحة بدءا من ملف الأسرى والمعتقلين والمفقودين مرورا بالأوضاع الانسانية، فضلا عن الملف الاقتصادي وصولا الى ملف وقف الصراع وخطة لمرحلة انتقالية مشتركة، بينما افتقر الفريق الآخر لأي جدية، ولم يكن لديه أي معلومات ولا ملفات جاهزة ، وكان ذلك واضحا للرعاة الدوليين والسفراء الذين تابعوا أعمال المؤتمر خصوصا سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي .
ثمار ستوكهولم
في اليوم السابع من المشاورات ، أعلنت حنان البدوي، مسؤولة الإعلام والاتصال في مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، أنّ الأطراف اليمنية تسلّمت بشكل رسمي، يوم الأربعاء 12 ديسمبر ، حزمة من الاتفاقات حول الإطار السياسي، ومطار صنعاء، وملف الحديدة، والملف الاقتصادي .
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي حضر الجلسة الأخيرة في 13 ديسمبر، أعلن مباركته لتلك الاتفاقات ، وقال في مؤتمر صحفي في ريمبو بالسويد : “لقد توصلنا إلى اتفاق حول ميناء ومدينة الحديدة سيشهد إعادة انتشار متبادل للقوات ووقفاً لإطلاق النار على مستوى المحافظة”.
وأضاف: “ستلعب الأمم المتحدة دوراً رائداً في الميناء، وهذا سيسهل وصول المساعدات الإنسانية”. وأشار في نفس الوقت إلى أن الطرفين توصلا أيضا إلى “تفاهم متبادل لتخفيف الوضع في تعز وأعتقد أن هذا سيؤدي إلى فتح ممرات إنسانية وتسهيل إزالة الألغام”.
وأوضح غوتيريس أن أعضاء الوفدين اتفقوا على وقف إطلاق النار في ميناء مدينة الحديدة وتبادل الأسرى والسماح بالممرات الإنسانية في المدينة المحاصرة، مع وضع إطار للمفاوضات المستقبلية.
وقال للصحفيين: “قبل مجيئنا إلى هنا، اتفقنا بالفعل على تبادل الأسرى، وقد اتفقنا الآن على جدول زمني لتنفيذ تبادل الآلاف للم شمل اليمنيين بعائلاتهم”.
وتابع: “وأخيرا، خطوة مهمة جدا لعملية السلام: اتفقنا على المشاركة في المناقشات حول إطار التفاوض في الاجتماع المقبل. هذا عنصر حاسم لمستقبل التسوية السياسية من أجل إنهاء الصراع”.

من كواليس المشاورات
كان تماسك وصلابة الفريق الوطني المفاوض الآتي من صنعاء واضحا للجميع ما جعل رئيس الوفد محمد عبد السلام وجهة كل السفراء الذين كانوا يتركون خالد اليماني رئيس وفد الرياض المفاوض ووزير خارجية هادي وحده، ويتجمعون حول محمد عبد السلام ما أزعج اليماني الذي كان إما يشغل نفسه باتصالات هاتفية مفتعلة أو يقترب من السفراء ليدخل في الحديث الجاري، وفي إحدى المرات وبينما كان النقاش جاريا بين الوفد اليمني الوطني والسفراء بحضور المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث، قال أحد اعضاء الوفد الوطني لهم بعد أربع سنوات أصبح ما كنتم تسمونهم انقلابيين هم الدولة بينما أصبح من اعتبرتموهم الدولة لا يملكون أي قرار وليس في يدهم أي مكان او سلطة في البلد ما أثار موجة ضحك بين السفراء ورد احدهم ان هذا الكلام صحيح .‎

عبد السلام : ” لن أنزل حتى لو أتى ترامب بنفسه ”
غير ان الحادثة الأكثر تعبيرا عن صلابة الوفد الوطني وقدرة رئيسه على التفاوض واستقلالية قراره ـ بحسب شهادة الصحفي اللبناني نضال حمادة ، كانت يوم حفل اختتام اعمال المؤتمر بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده امين عام الأمم المتحدة والمبعوث الأممي بحضور وزيري خارجية بريطانيا والسويد وسفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة الى دول العدوان على اليمن والشعب اليمني وبينهم سفراء السعودية والإمارات والسودان، وكان المقرر أن يعقد رئيسا الوفدين المفاوضين مؤتمرين صحافيين كلٌّ على حدة لشرح ما تم التوافق عليه واختارت الأمم المتحدة أن يكون المؤتمران في باحة مدخل مبنى قصر المؤتمرات من الداخل، غير أن وزير خارجية هادي خالد اليماني عقد مؤتمره الصحافي في نفس القاعة التي عقد فيها الأمين العام للأمم المتحدة والمبعوث الدولي المؤتمر الصحافي، وطُلب أن يعقد محمد عبد السلام المؤتمر في الخارج فرفض ذلك عندها ذهب إليه المبعوث الأممي مارتن غريفيث وقال له ان الأمين العام للأمم المتحدة ينتظرك للنزول اليه في باحة المدخل فرد عليه محمد عبد السلام لن أنزل حتى لو أتى ترامب بنفسه، ولن أعقد المؤتمر إلا في القاعة التي عقد فيها الأمين العام للأمم المتحدة مؤتمره الصحافي. وسرعان ما لبت الأمم المتحدة هذا الأمر. وتشير مصادر الأمم المتحدة في المؤتمر إلى اتصال قام به سفير السعودية بالأمين العام للأمم المتحدة طلب منه فيه ان يعقد رئيس وفد الرياض مؤتمره الصحفي في القاعة الرئيسية بدلا من باحة مدخل قصر المؤتمرات وتم تلبية الطلب بينما لم يتم تغيير مكان مؤتمر الصحافي لمحمد عبد السلام تلقائيا واحتاج الأمر ضغوطا من قبله حتى تغير الأمم المتحدة رأيها وتتراجع رغم الضغوط التي مارسها السفيران السعودي والإماراتي.

قد يعجبك ايضا