بين استغاثة المستأجرين.. وتذمر المؤجرين تنهار العلاقات الإنسانية!

مستأجر: تنقلنا في ثلاثة بيوت ونتوقع الرحيل في أي وقت

صاحب العقار هو الدولة والقانون
د/عبده الشليلي:
تغيير المسكن كل فترة يفتت العلاقات الاجتماعية ويولد الشعور بالغربة

المحامي عبدالله الطويلي:
هناك قصور في القانون عن مسائل في عقد الإيجار
كالحة هي الحياة في عينيه.. يحمل غربته أينما حل وارتحل ويتقاسم معها لحظات القلق المشحون بالعجز.. متوجساٍ وعلى أهبة الاستعداد للرحيل فلا يدفأ تحته فراش ولا يستأنس لجار ولا يطيب له مقام تحت تهديد المؤجر ودون سابق انذار بالطرد يقتلع جذوره ويمضي ليبحث له عن وطن داخل.. وطنه!!

أيام دق جرس منزلي فتحت الباب فإذا هي امرأة هدها الزمن على الرغم من أنها لا تزال في الثلاثين.. ظننتها للوهلة الأولى تريد صدقة فبحثت في جيوبي ولم أجد إلا مائة ريال فأخبرتني أنها ما جاءت لذلك لكن صاحب المنزل الذي تسكن فيه مع أطفالها الايتام رفع الايجار إلى الضعف وهددها بالطرد إلى الشارع إن لم تسدد الشهرين الماضيين وتدفع الزيادة.. نظرت إليها بصمت وأنا أفكر فيما تقول فظنت سكوتي لا مبالاة أو تلكؤاٍ فأجهشت بالبكاء وقالت بصوت كسير متعب “يا ناس أين الرحمة والشفقة صاحب البيت سيخرجني للشارع فأين أذهب نحن مسلمين لا المؤجر بيرحم ولا الجيران بيساعدوني والله أن اليهود بيتراحموا أحسن مننا”!
هذه المرأة بكلماتها التي تزلزل الكيان ليست معاناتها إلا ضمن آلاف الحالات فمن لا حول لهم ولا قوة فالسلطة والقوة بيد المالك وما على المستأجر إلا القبول أو الخروج من المنزل.
من حكم في ماله
من أسهل الأمور وأيسرها على مالك العقار أن يطرد المستأجر دون لوم أو تدخل من أحد. فعلى منطقة العليل (من حكم في ماله من ظلم) ويدخل ضمن حكمه أن يهدد استقرار أسرة وأطفال لأجل حفنة ريالات. وهذا عبدالرحمن النواب يعجز عن الزيادة التي أقرها صاحب البيت وبعد محاولات فاشلة لتليين قلبه والعدول عن الزيادة أضطر مكرهاٍ للخروج واسرته.
يقول عبدالرحمن: مكثت أسبوعين لدى قريب لي بنفس الحي الذي كنت أقطن فيه وفرغت كل وقتي للبحث عن سكن بنفس المنطقة لأكون قريباٍ من مكان عملي ومن مدرسة أطفالي وبعد البحث والسؤال لم أجد فاضطررت للسكن في منطقة أخرى وبات من الصعب أن يذهب أبنائي إلى مدرستهم الأولى فسحبت ملفاتهم وسجلتهم بالمدرسة الجديدة وللأسف هبط مستواهم الدراسي لأن زملاءهم في هذه المدرسة متقدمون جداٍ في المنهج وهذا أثر على تحصيلهم وحتى على نفسياتهم فواجهوا صعوبة في تقبل الوضع الجديد وفي إقامة علاقات مع أصدقائهم الجدد وكذلك بالنسبة لي حيث أواجه عدداٍ من المشاكل بسبب بعد المسافة بين السكن والعمل ولا أملك إلا الدعاء على المؤجر الجشع.
تكاليف النقل
إضافة إلى الزيادة التي يفرضها المالك للعقار فإن التنقل من منزل إلى آخر يزيد من الحمل الملقى على عاتق المستأجر وعن هذه التجربة تقول أم تغريد – تعمل بأحد المستشفيات الأهلية – إن رابتها ستون ألف ريال تدفع نصفه كإيجار لمنزل مكون من ثلاث غرف ومطبخ وحمامين وأخبرها المؤجر بزيادة خمسة آلاف ريال كل شهر وبحيرة تقول: لا أدري ما العمل فأنا أعلم أنه من الصعب العثور على منزل مناسب ولا طاقة لي بالتنقل من مكان لآخر فكل هذا مكلف مادياٍ وأن قبلت ظلمت نفسي وأطفالي لأن هذا فوق طاقتي وهناك التزامات أخرى لا تحتمل التأجيل من فواتير للماء والكهرباء وتكاليف المعيشة الخانقة وزوجي مقعد لا يقدر على الحراك.
بدو رحل
تحكي إحدى الأمهات معاناتها مع بيوت الإيجار قائلة:
في ستة أشهر تنقلنا في ثلاثة بيوت فالمؤجر الأول أخبرنا أنه سيزوج ابنه وسيكسنه في الشقة التي تقيم فيها وترك لنا مهلة أسبوعين للبحث عن مكان آخر.
فكنت أذهب من الصباح حتى الظهر وأنا أبحث على منزل وأسأل كل صاحب عقار وبعد جهد مظن انتقلنا إلى شقة ببدرم لم نمكث فيها شهرين فعندما كان موسم المطر امتلأ البيدروم إلى منتصف النافذة من ماء المجاري فقررنا الانتقال بعد الضرر الذي لحق بنا وبأثاثنا بما فيها الأدوات الكهربائية ورفض صاحب الشقة أن يعوضنا شيئاٍ بل رفض أن يعيد بقية الايجار المقدم الذي دفعناه وأخذنا منزلاٍ مستقلاٍ بثلاثين ألف ريال وصرنا أشبه بالبدو الرحل الذين لا يستقرون على مكان لدرجة أن أطفالي لا يشعرون بالاستقرار وليس لهم صداقات حتى أنا ليس لي علاقات قوية بالجيران لأننا متأهبين للرحيل في أي لحظة.
أعجبك وإلا أخرج
يشعر سليم الجايفي بنقمة على المؤجر ويناشد الدولة في وضع حد للتجاوزات التي تحدث قائلاٍ: أصبح صاحب العقار هو الدولة وهو القانون والمشرع ولا تمشي إلا كلمته وصوته فكل فترة يقوم برفع الإيجار ويهددني إن تأخرت في دفع ما علي بإغلاق الباب بالقفل أصبحت أعيش في ضغط نفسي رهيب خوفاٍ من عدم الوفاء بالإيجار واضطررت لأن أبحث عن عمل آخر يساعدني على تجاوز الشهر بسلام وبما يحفظ لي كرامتي فالمؤجر مع أبسط خلاف أو تأخير يوم أو أسبوع يصرخ ويتوعد هذا بيتي أعجبك وإلا أخرج فأعتصم بالصمت والصبر وأضبط الأعصاب فاصبعي تحت ضرسه.
عشش
لا تكمن المشكلة في رفع الايجارات وحسب فالمستأجر بين فكي كماشة فالقانون لا يتضمن ما يحميه ولا يستطيع التحلل من القيود التي تفرضها بنود العقد فأغلب إن لم تكن كل العقود مجحفة وتصب لصالح المؤجر وليس هناك بند واحد يضمن للمستأجر أن يعيش في هذا السكن بأبسط حقوقه فالمستأجر قد يقبل مضطراٍ أن يسكن في مكان لا يصلح للعيش الآدمي وقد رأيت كثيراٍ من هذه البيوت عبارة عن غرف مظلمة تنعدم فيها التهوية المناسبة والإضاءة الجيدة حتى الحمامات لا تصلح للحيوانات ولا يكلف صاحب العشة أو المنزل نفسه عناء وصيانة ما تلف قبل السكن فلا حنفيات سليمة ولا أبواب متماسكة كما أن المستأجر لفرصته أنه وجد سكنا خالياٍ في ظل الازدحام السكاني يغرر به ويكتشف فيما بعد أن البيت المؤجر ليس مرتبطاٍ بشبكة الماء أو أن السيد المؤجر لم يدفع الفواتير منذ مدة طويلة فإما أن يتحمل المستأجر سداد الفواتير وإما أن يطير ما تبقى من رابته الهزيل على وايتات الماء وتستمر معاناته وجهاده في هذا المنزل حتى يأخذ الله أجله أو أن ينتحر قهراٍ أو يجعل الله له مخرجاٍ.
المضحك أن كثيراٍ من المؤجرين يحسبون أن العشش التي يمتلكونها أحد قصور الحمراء أو قصر غمدان فلا يوقعون عقد الإيجار إلا بضمانات وحسن سيرة وسلوك واقرار ببراءة الذمة المالية للمستأجر وبحضور شاهدين وعاقل الحارة وحين يستنجد الطرف الثاني إذا وقع عليه ظلم أو تعسف من المالك فإنه لا يجد لهم موقفاٍ أو تجاوباٍ معه وكأنه مدينة تحرق جنب كافر.
ولكن منصفين فهناك أصحاب عقارات يبررون تصرفاتهم بالمنطقية فالحاج محمد الماخذي يمتلك أربع شقق ويرى أن الحياة الصعبة هي من تفرض عليه رفع الإيجار كل فترة ويقول لا أعمل في وظيفة حكومية ولا أعيش إلا بما يعود علي من هذه الشقق السكنية وإلى متى أصبر على المستأجر فكما له ظروف أنا لي كذلك وعلي التزامات فبعضهم تمضي الثلاثة أو الأربعة شهور ولم أر منه شيئا فهل أموت جوعاٍ أنا وأبنائي.
الفرار ليلاٍ
وبالمقابل يشعر كثير من المؤجرين بالظلم ويرون أن هذه العقود التي يلوحون بها أمام المستأجرين تظل حبراٍ على ورق فكثير منهم يدفعون الملاك إلى التعامل معهم بقسوة. يقول الأخ نجيب علوان القطافي: كنت اتعاطف مع بعض المستأجرين وأقول يا رحمتاه وأصبر على ظروفهم الشهر تلو الآخر ولا أجد إلا الوعود والأيمان المغلظة بسداد ما عليهم وافاجأ بعد فترة أنهم يفرون بأثاثهم ليلاٍ كما يعمل السرق ولا أعلم إلا من الجيران بهروبهم ويتركون ديونهم خلف ظهرهم لدرجة أن بعضهم لم يسدد فواتير الماء والكهرباء منذ سكن ووصل بأحدهم من الحقد أن فر مع عائلته وترك باب الشقة مفتوحا وحين دخلت لأرى حالته صعقت عندما رأيت انه عبث وكسر الحنفيات واللمبات واتلف الطلاء انتقاما لأني هددته بالطرد بعد تأخير خمسة أشهر للإيجار.
ويرى ناجي القليصي أن بنود العقد تلزم الكثير ممن لا ضمير لهم فهم لا يشعرون ان السكن أمانة يجب أن يحافظوا عليها كما لو كانت بيوتهم واغلبهم يرون أن أي ضرر يلحق بالسكن جراء استهتارهم وعبثهم لا يعنيهم في شيء فماهم إلا مستأجرين ولا يكلف احدهم نفسه أخبار المالك بأي ضرر يمكن تفاديه.
تفتيت العلاقات الاجتماعية
يصف الدكتور عبده الشليلي أخصائي أمراض نفسية واجتماعية حالة المستأجر الذي يعيش في جو ترقب لأي لحظة قد يخرج منها من السكن فإضافة إلى الشعور الذي يتولد لدى أطفال المستأجر المغلوب على أمره انه مقصر في حمايتهم ولم يستطع بناء مسكن لهم تتزايد الخلافات والمشاكل والتوتر بينه وبين زوجته مما يؤثر على علاقتهم واستقرارهم الأسري.
وعن الآثار الاجتماعية يضيف: إن العلاقات الاجتماعية بين الأسر والجيران تكاد تكون شبه منعدمة وان كانت شكلية تنعدم الصحبة والزمالة بين أبناء الحي نظرا لتنقل الأسرة وتغير المستأجرين كل فترة وهذا يساهم في تفتيت العلاقات الاجتماعية بين الأطفال والشعور بالغربة عكس أصحاب المنازل الذين يعيشون عشرات السنين معا مما يؤلف بينهم المحبة والوفاء والاستقرار النفسي.
ويضيف الدكتور عبده الشليلي أن هناك مستأجرين لا يعلم جيرانهم حالتهم المادية فقد يعيشون في فقر ولا أحد يدري عنهم لأن الإيجار يأخذ 65-85% من راتب المستأجر وهذا يؤثر على متطلبات أخرى على حساب الإيجار مما قد يدفع البعض إلى اللجوء للرشوة والسرقة والنهب لتغطية الإيجار.
قروض ميسرة
> وتساءل الشليلي كيف نخلق حب الوطن والانتماء وأغلب ساكنيه مستأجرين بنسبة «85%» ويتحكم فيهم «15%» من مالكي المنازل وهذا المستأجر يتنقل من مكان إلى آخر ومن محافظة إلى أخرى .
وطرح الدكتور عبده عددا من الحلول لتخفيف الاحتقان وبرفع الدخل السنوي للفرد لتحسين وضعه الاقتصادي كتطبيق القوانين بما يحمي المستأجر وبما يضمن للمؤجر حقه دون ظلم أحدهما للآخر وايجاد بنوك للقروض الميسرة للسكن وتقسيطها على فترات طويلة لتسهيل للأفراد امتلاك سكن دعم الدولة بتخفيض سعر مواد البناء وتوفير الخدمات الأساسية في كل الاحياء والمدن لكي لا تزدحم منطقة دون أخرى.
تطبيق القانون
> ويرجع المحامي عبدالله الطويلي المستشار القانوني لمنظمة أطباء العالم الفرنسية باليمن أن سبب أي مشاكل أو نزاع بين المؤجر والمستأجر هو عدم تقيد كل منهما بالالتزامات التي نص عليها القانون وأطلق عليها آثار العقد وقد نظم القانون المدني اليمني هذه الآثار في المواد بالقانون رقم «729» وما بعدها حيث بينت هذه المواد ثلاثة التزامات رئيسية تقع على عاتق المؤجر:
1- التزام المؤجر بالتسليم
2- التزام المؤجر بالصيانة
3- التزام المؤجر بالضمان
كما بينت المواد ايضا أربع التزامات على عاتق المستأجر وهي:
1- التزام المستأجر بالوفاء بالأجرة
2- التزام المستأجر باستعمال العين بحسب ما أعدت له
3- التزام المستأجر بالمحافظة على العين المؤجرة
4- التزام المستأجر برد العين المؤجرة.
وردا على سؤالي متى يحق للمالك إخراج المستأجر قبل انتهاء العقد المبرم بينهما أجاب بأن عقد الإيجار من العقود المؤقتة حيث ينتهي للأسباب التالية:
1- انقضاء مدة الإيجار
2- عدم الوفاء بالأجرة
3- إساءة استعمال العين المؤجرة أو استعمالها في ما ينافي أحكام الشريعة الإسلامية
4- قيام المستأجر بتأجير العين المؤجرة أو نزوله عن الإيجار
5- تعرض العين المؤجرة للسقوط
6- موت المستأجر أو زوال الحرفة
7- إعسار المستأجر
قاطعته قائلة: من يحمي المواطن من ارتفاع الإيجارات في ظل عدم تطبيق القوانين. فأجاب أن الدولة هي المسؤولة أولا وأخيرا عن تطبيق القوانين التي تصدرها عبر المجلس التشريعي وما أحكام عقد الإيجار من القانون المدني إلا جزء من تلك القوانين ايجابية كانت أم سلبية فتنصل الدولة عن واجبها سيخلق لنا قانون الغاب وهو شبه ما نعيشه اليوم فنحن في هذا الزمن أكثر من أي وقت بحاجة ماسة لوجود دولة قوية.
بالرغم من كثرة القوانين إلا أن المشكلة ما زالت قائمة وسنظل ندور بحلقة مفرغة لماذا¿ السبب عدم تطبيق القانون من الطرفين وكذلك لقصور القانون عن مسائل كثيرة في أحكام عقد الإيجار لم يلتفت إليها القانون الحالي ولم يعالج تلك المشاكل.

قد يعجبك ايضا